مكافحة التطرف العنيف.. موجّهات أساسية لستراتيجية وطنية

د. سعد سلوم تشهد المجتمعات المعاصرة استقطابًا في السنوات الأخيرة، وتواجه انقسامات اجتماعية وأزمات سياسية حادة، جزء منها بسبب الأزمات المالية وعدم الاستقرار السياسي، وصعود الجهات الفاعلة الخبيثة والعنف غير النظامي، وظهور أشكال جديدة من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تقوم ببث الكراهيات، وتمكن من انتشار أشكال جديدة من التطرف. كان هناك وعي متزايد بأنه يجب أن يكون هناك نهج شامل في الاستجابة لهذه الأشكال الجديدة من التطرف، التي يعد العراق واحدًا من أبرز الدول التي وقعت ضحية لها. تمثل مفاهيم التطرف العنيف إضافةً حديثةً نسبيًا إلى مناقشات مكافحة الإرهاب، مبنيةً على الحاجة السياسية إلى تطوير نهجٍ ما قبل إجراميٍّ للإرهاب من قِبل السلطات السياسية والأمنية العراقية. وفيما يلي موجّهات لستراتيجية مكافحة التطرف العنيف نعتقد بأهمية الأخذ بها: ١- على الرغم من أن مكافحة التطرف أصبحت مركزيةً في السياسات الوطنية في السنوات الأخيرة، ولاسيما منذ تأسيس دائرة لمكافحة التطرف العنيف في مستشارية الأمن الوطني، إلا أن تعريف التطرف أكثر تذبذبًا من تعريف الإرهاب، إذ لا يُنص عليه في القوانين الوطنية، والعلاقة بين التطرف والعنف ما تزال محل نزاع. ٢- إن مكافحة التطرف العنيف غير موجهة بالأساس لمعالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية الأعمق للتطرف، وتركز، بدلًا من ذلك، على مقاربات أمنية لا تعالج جذور المشكلة. ٣- مكافحة التطرف هي عملية ثقافية أيضًا، في مسار تغيير العقول والقلوب أيضًا. لذا، فإن وزراتي التربية والتعليم العالي ووزارة الثقافة ودوائر الأوقاف الدينية معنية أيضًا بستراتيجية مكافحة التطرف العنيف. ٤- ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار الفجوة الجيلية في المجتمع العراقي، والتركيز على فهم العلاقة بين الشباب والتطرف، أي بعبارة أخرى: تطوير فهم أفضل لأسباب انخراط الشباب في المنظمات المتطرفة، مع العلم أنهم غالبًا ما ينضمون إليها بهدف المشاركة في شيء ما، أي لأسباب اجتماعية وليست آيديولوجية. ولاسيما إذا كانوا يواجهون آفاقًا غير مؤكدة في عصر يسوده عدم المساواة والبطالة والتفاوت الطبقي، وإهمال أحلامهم ومطالبهم العادلة، على نحو يدعم عوامل تُهيئ بيئة مواتية للتطرف، إذ قد يُوهم معظم الشباب الذين تُجنّدهم المنظمات الإرهابية بأنهم يحشدون أنفسهم من أجل (قضية عادلة) تسعى إلى صون كرامتهم، ويجري استغلالهم وتوظيفهم ضد مجتمعاتهم، لذا فإن العدالة الاجتماعية التي تحققها الدولة هي مفتاح لمواجهة التطرف العنيف والقضاء عليه. ٥- يتمثل دور وزارة الشباب في دعم مرونة الشباب في مواجهة العنف والتطرف، وهو أمر يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة الهياكل المجتمعية على توفير الموارد والفرص الكافية لدعم احتياجات الشباب والبناء على نقاط قوتهم. ٦- يمكن أن يكون دور هيئة الإعلام والاتصالات، وشبكة الإعلام العراقية، ووزارة الاتصالات، أكثر فاعلية، بالشراكة مع الخبرات الدولية والمحلية في مواجهة قدرات التطرف الإلكتروني، إذ استُغلت المنصات الإلكترونية من قِبل الجماعات المتطرفة لبث خطابات الكراهية والطائفية، والعمل على مزيد من الانقسام الاجتماعي. علاوة على ذلك، يُمكن الاستخدام السهل للهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، وخدمات المراسلة، وغيرها، ظروفًا تساعد على سهولة الوصول إلى جماهير واسعة ونشر التطرف على نطاق أكبر. ٧- تشجيع أقسام العلوم السياسية وعلم الاجتماع والدراسات الأمنية والقانون للاطلاع على آخر الأبحاث العالمية لتحليل مختلف أشكال التطرف العنيف، والنظر في تأثير هذه الجماعات والشبكات على رفاهية المجتمعات. ٨- تشجيع الطلاب على تقديم دراسات عن الحالات الوطنية المختلفة للتطرف والاستقطاب والتجزئة المجتمعية، مع التعمق في الأمثلة الوطنية لرسم خريطة للاتجاهات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوربا وأميركا الشمالية وأستراليا للسماح بإجراء تحليلات مقارنة على مستوى المناطق والدول. ٩- تزويد صنّاع القرار في المؤسسات الأمنية بخبرات عن سياسة وممارسات مكافحة التطرف، للنظر في كيفية لعبها هذا الدور المركزي المتزايد في صياغة منع التطرف العنيف ومكافحته، وأين يمكن مشاركة هذه الممارسات والسياسات وتطويرها وإشكاليتها ونشرها لمزيد من مكافحة العنف. ١٠- أخيرًا، فإن تطوير نظريات لمكافحة التطرف بحاجة إلى أن تُراعي، بشكل أفضل، الروابط العابرة للحدود الوطنية بين العنف. فتنظيم داعش الإرهابي ليس ظاهرة محلية، بل هو ظاهرة عابرة للحدود. الأمر الذي يتطلب تطوير شبكة علاقات أمنية مع العديد من الدول لمكافحة خطره الذي قد يعود في أية لحظة.