أحمد عبد ربه - تصوير : خضير العتابي /
بغداد، مدينة التاريخ والرمزية، عادت لتأخذ مكانها في قلب المشهد الإعلامي العربي، حين احتضنت النسخة الرابعة من مؤتمر الإعلام العربي، المنعقد لأول مرة في العراق، بتنظيم من شبكة الإعلام العراقي، وبمشاركة فاعلة من اتحاد إذاعات الدول العربية، تحت شعار: دور الإعلام في مواجهة التغير المناخي. هذا الحدث النوعي شكل علامة فارقة في مسار عودة العراق إلى ساحات التأثير الإعلامي والفكري العربي، بحضور لافت جمع أكثر من 150 إعلاميًا ومفكرًا ومسؤولًا وممثلي مؤسسات من مختلف أرجاء الوطن العربي، تأكيدًا على الثقة المتنامية بدور العراق المحوري، لا سيما في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة. عقد المؤتمر للفترة من 21 الى 23 أيار 2025 في فندق الموفنبيك بمشاركة عدد من الهيئات والمؤسسات الإعلامية ونخبة من الإعلاميين وصناع القرار في الدول العربية وتضمن جلسات علمية، وورش عمل، ومداخلات لعدد من الخبراء والإعلاميين من مختلف الدول العربية. خلال جلسات المؤتمر، أجمع الحاضرون على أن الإعلام لم يعد مجرد أداة لنقل الأخبار، بل أصبح قوة مؤثرة تصوغ السياسات وتعيد تشكيل الرأي العام، خصوصًا في القضايا البيئية والتنموية، التي تتصدر اليوم أولويات العالم العربي. الاعلاميون العرب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أشار خلال استقباله مجموعة من الإعلاميين العرب المشاركين في المؤتمر، إلى "أهمية دور الإعلام المسؤول والموضوعي في نقل الحقائق للجمهور، خاصة ما يتعلق بالقدرة على مواجهة التحديات"، مبينًا، أن "العراق اليوم يشهد نقلة نوعية في مجالات الحياة والخدمات والتطوير كافة، فضلاً عن الجهود الكبيرة في المشاريع الستراتيجية التي تعزز اقتصاده، وتحقق التكامل الشامل. " وشدد على، أن "القمتين العربية والتنموية ومخرجاتهما عكستا قوة العراق ودوره في وضع الحلول للمشكلات الإقليمية والدولية"، مبينًا، أن "تعزيز مكانته وتقدمه يشكل مصدر قوة للدول العربية ودعمًا لعوامل الاستقرار والتنمية والمصالح المشتركة، إلى جانب توسعة فرص التكامل مع كل الأشقاء العرب". واستذكر السوداني بإجلال، في اللقاء، "شهداء الصحافة خلال العدوان على غزّة وجنوب لبنان، وما قدموه من تضحيات كانت سببًا في نقل مظلومية الشعب الفلسطيني، وتعريف العالم بجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب بحقه". من جانبه، هنّأ وفد الإعلاميين العرب السوداني على "نجاح بغداد في عقد القمتين العربية والتنموية"، وكذلك أشاد، بـ "التطور الذي يشهده العراق في جميع القطاعات، وبالنهضة العمرانية والتنموية وما عكسته من نقلة نوعية في مسيرة البناء والإعمار". من جانب اخر، وجه رئيس شبكة الاعلام العراقي كريم حمادي رسالة شكر وتقدير إلى جميع الجهات والمؤسسات والأفراد الذين أسهموا في نجاح أعمال مؤتمر الإعلام العربي الرابع الذي شكّل محطة مهمة في مسيرة الإعلام العربي، ورسّخ حضور العراق منبراً فاعلاً للحوار الإعلامي البنّاء، بحسب نص الرسالة. وجاء فيها ايضا في "مقدمة من نستذكر فضلهم، دولة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، لدعمه الكبير ورعايته الكريمة للمؤتمر، وهو ما كان له الأثر البالغ في توفير البيئة المثالية لإنجاح هذا الحدث العربي البارز. كما نثمّن عالياً الدور المهم الذي قامت به الوزارات الساندة، التي قدمت كل الدعم اللوجستي والفني والإداري، وأسهمت بفاعلية في التنظيم والمساندة. ولا يفوتنا أن نتوجه بالشكر إلى اتحاد إذاعات الدول العربية على تعاونها الوثيق والمثمر، الذي كان ركيزة أساسية في تنظيم هذا المؤتمر وجمع الإعلاميين العرب تحت سقف واحد. كما نعبر عن بالغ امتناننا إلى دعم مجلس الأمناء الموقر ومديريات شبكة الإعلام العراقي كافة، لما بذلوه من جهد استثنائي في التحضير والتنفيذ والمتابعة، ما عكس احترافية وحرص كادر الشبكة على تمثيل العراق بأفضل صورة. وختاماً، نرحب بامتنان وحفاوة بالضيوف الإعلاميين العرب الذين شرفونا بحضورهم ومشاركتهم، وكانوا جزءاً أصيلاً من نجاح هذا الحدث، وأضفوا عليه هوية عربيةً جامعة تليق برسالة الإعلام وقيم النجاح الكبير وأكد حمادي أن "المؤتمر يمثل محطة محورية في مسار الانفتاح الإعلامي للعراق، مشيرًا إلى أن استضافة أكثر من 150 إعلاميًا وصحفيًا من الدول العربية، تؤكد استعادة بغداد لمكانتها كمنصة للحوار، ومرآة تعكس تطلعات العراق في مجالات الإعلام والسياسة والتنمية". وأضاف أن "الدعم المباشر من رئيس الوزراء ساعد في تحقيق قفزات نوعية على مستوى المحتوى والبنية التحتية والكوادر"، مشددًا على أن الشبكة ستبقى شريكًا فاعلًا في مسيرة الإعلام الوطني، خاصة في قضايا التغير المناخي التي وصفها بـ”التحدي الأعظم في القرن الحالي. أما المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، عبد الرحيم سليمان، فقد أثنى على مستوى التنظيم، وقال: "نحن فخورون بهذا التعاون المثمر مع العراق، وبالشراكة النوعية مع شبكة الإعلام العراقي. وهذا المؤتمر هو انطلاقة أولى لتوسيع التعاون المؤسساتي العربي، خصوصًا في مواجهة التغير المناخي". وأضاف: "الاتحاد يسعى إلى جعل المؤتمر منصة للحوار العميق حول قضايا الساعة، والنجاح المتحقق هنا في بغداد هو خطوة أولى نحو نتائج ملموسة". ودعا مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية، الدكتور عارف الساعدي، إلى إطلاق تحالف إعلامي عربي يُعنى بالقضايا المناخية، مشددًا على أهمية بناء خطاب إعلامي موحد، يقوم على المعرفة العلمية ويعبّر عن هموم المواطنين العرب. بدورها، أشادت لجنة الثقافة والسياحة والإعلام في مجلس النواب، بشبكة الإعلام العراقي لدورها في إنجاح المؤتمر، إذ أكد نائب رئيس اللجنة، عارف الحمامي، أن الإعلام مسؤول عن نشر الوعي البيئي وتعزيز الإدراك الجماعي تجاه المخاطر المناخية، داعيًا إلى دعم الشبكة بوصفها الواجهة الرسمية للإعلام الوطني. البيان الختامي وفي ختام المؤتمر، ألقى رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، ثائر الغانمي، البيان الختامي، الذي أكد فيه أن الأرض تشهد تحولات مناخية غير مسبوقة، تهدد الأمن الغذائي والصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وقال: "لم يعد التغير المناخي مجرد ظاهرة بيئية، بل بات تحديًا وجوديًا تجاوز كل التوقعات، وعلى الرغم من خطورة الموقف، إلا أن الوعي العربي والعالمي لا يزال دون المستوى المطلوب، الأمر الذي يستوجب تحركًا عاجلًا وشاملًا" وأضاف أن "الإعلام اليوم يقف في الخطوط الأمامية لمواجهة هذه التحديات، إذ تقع عليه مسؤولية بناء وعي عام، وتحفيز الفعل الجماعي، ونقل المعارف والمفاهيم المعقدة بلغة بسيطة ومؤثرة، مع ضرورة دمج قضايا المناخ في الاستراتيجيات التحريرية، وتوسيع نطاق التغطية الإعلامية لتشمل القصص الإنسانية وتجارب المجتمعات المتضررة". وحدد الغانمي أهداف المؤتمر في تسليط الضوء على التغيرات البيئية والمناخية، وتعزيز وعي الجمهور، والحد من المعلومات المضللة، وتقديم رؤية مهنية ومسؤولة، ومشاركة التجارب العربية لتقوية الأداء الإعلامي البيئي، وبلورة خطاب إعلامي فاعل يخدم التحولات المستقبلية. وتضمن البيان الختامي سلسلة من التوصيات الجادة، شملت الحكومات ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. فقد دعا المؤتمر إلى تضمين قضايا المناخ في السياسات الإعلامية الوطنية، وتوفير معلومات بيئية دقيقة، واعتماد أنظمة تحذير موحدة، وإدراج الوعي البيئي في المناهج الدراسية، وتعزيز البحث العلمي والتعاون مع المنظمات الأممية، إضافة إلى دعم الإعلام في مكافحة المعلومات المضللة، وتمكينه من إنتاج محتوى بيئي عالي الجودة، وتطوير أدوات العمل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما دعت التوصيات وسائل الإعلام إلى التغطية العلمية المتزنة، وتطوير البرامج التوعوية، وتنظيم حملات إعلامية بالتعاون مع المنظمات المتخصصة، وتكثيف التغطية الاستقصائية للقصص البيئية، والاستثمار في تدريب الصحفيين، ورفع جاهزية غرف الأخبار لمواكبة الكوارث قبل وقوعها وبعدها، إلى جانب تخصيص جوائز للتميز الإعلامي البيئي. أما على صعيد المجتمع المدني، فقد شدد البيان على أهمية تمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات الموثوقة، وتعزيز المبادرات المحلية، وتنظيم أنشطة توعوية بمشاركة الشباب، وتقوية التنسيق مع السلطات المحلية لمواجهة الكوارث، وتشجيع المنظمات البيئية على رعاية جوائز تحفيزية ضمن الفعاليات الإعلامية السنوية. صناع القرار ولأن التحديات المناخية لا تعترف بالحدود، فقد جاء صوت الحاضرين من الدول العربية مكملاً للرؤية العراقية، ومؤكدًا أن مواجهة أزمة المناخ مسؤولية جماعية تبدأ بالإعلام وتنتهي بصنّاع القرار. محمد فهد الحارثي، رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية، افتتح كلمته بقوله "يسرني أن أرحب بكم في الدورة الرابعة لمؤتمر الإعلام العربي، المنعقد لأول مرة خارج مقر الاتحاد، في بغداد، مدينة الحضارة ومنارة الأدب والفكر". وأشار إلى أن اختيار قضية المناخ لم يكن مصادفة، بل عن وعي بعمق التهديد الذي بات يطال الحياة والاقتصاد والاستقرار، مضيفًا: "في خضم هذه التحديات، يبرز الإعلام كقوة ناعمة مؤثرة، تسهم في تحفيز السلوك الإيجابي، ودعم السياسات البيئية، وتشجيع الحوار المجتمعي". سعد الجريس، المستشار الإعلامي السعودي ونائب رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية سابقًا، أعرب عن سعادته بالمشاركة، مشيرًا إلى أن بغداد "لا تزال حاضرة بثقلها الإعلامي"، مضيفًا: "شبكة الإعلام العراقي أثبتت كفاءة عالية، ونتمنى أن يكون المؤتمر بداية حقيقية لشراكات عربية تعزز العمل المشترك في مواجهة التحديات البيئية.” أما الجمعي قاسمي، الكاتب والمحلل التونسي، فاعتبر أن انعقاد المؤتمر في بغداد بالتزامن مع القمة العربية "يحمل رمزية بالغة، ويؤشر إلى دور العراق المقبل في إعادة تشكيل الوعي العربي دفاعًا عن المصالح المشترك". وقال: "إن قدرة بغداد على استضافة حدثين بهذا الحجم دليل على استقرارها، وعلى تنوعها الإعلامي الغني الذي يمكن أن يشكل ركيزة لمشروع إعلامي عربي جامع". محمد الوداني، المدير العام لشركة البث الإذاعي والتلفزيوني الموريتاني، أشار إلى أن المؤتمر "يحمل أهدافًا نبيلة تتجاوز الشعارات، إلى تشكيل رأي عام عربي متصالح مع قضايا البيئة". وأضاف: "نحن بحاجة لإعلام بيئي مسؤول يواكب التحولات ويقدّم حلولًا لا مجرد توصيف للأزمات".