ابتكار عراقي يرسم أملاً جديداً للمرضى.. الصالحي يخترق "صمت (التوحد)" ببراءة اختراع مسجلة في أميركا

رجاء الشجيري/ ظل اضطراب طيف التوحد عصياً على المعالجات الفعلية والحلول الشافية، وظلّت الأسر، في العراق والعالم، تبحث عن بارقة أمل. واليوم، يبرز اكتشاف الدكتور عادل الصالحي كإنجاز علمي لافت، استقطب اهتماماً محلياً وعربياً ودولياً. مجلة ""الشبكة العراقية"" حاورته في هذا اللقاء الحصري للحديث عن تفاصيل منجزه العلمي، الذي سجل كبراءة اختراع رسمية في الولايات المتحدة الأميركية. سيرة علمية حافلة الصالحي أستاذ جامعي حاصل على الدكتوراه في علوم العلاج النفسي والعصبي، مع تخصص دقيق في التوحد من جامعة سيغموند فرويد في فيينا – النمسا. يشغل حالياً منصب رئيس قسم الصحة النفسية في مركز البحوث النفسية – هيئة البحث العلمي – وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، وهو أيضاً مؤسس الجمعية العراقية للعلاج النفسي. يُدرّس مادة (تشريح التوحد) لطلبة الدكتوراه في جامعة صلاح الدين – أربيل، وفي كلية التربية للبنات – الجامعة العراقية، وله عشرات البحوث العلمية الرصينة المنشورة في مجلات دولية وعربية. جدير بالذكر أن الصالحي التقى بوزير الصحة والكوادر المتقدمة في الوزارة لدعم مشروع بحثه في مجال التوحد. أسباب ونتائج * ما التوحد؟ وما أسباب انتشاره المتزايد، ولاسيما في العراق؟ - اضطراب طيف التوحد (ASD) هو اضطراب نمائي عصبي يؤثر في قدرات الطفل على التواصل والتفاعل الاجتماعي، تصاحبه أنماط سلوكية متكررة أو مقيدة. لا يُعد مرضاً معدياً أو نفسياً، بل هو اضطراب في تطور الدماغ ونموّه. حتى اليوم، لا يوجد سبب واحد مؤكد للتوحد، لكن معظم الأبحاث تشير إلى أنه ناتج عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية. الطفرات الجينية التلقائية (De novo mutations) تلعب دوراً، إلى جانب عوامل بيئية مثل التلوث، والالتهابات خلال الحمل، أو مشكلات في الصحة الإنجابية للوالدين. أما عن الزيادة الملحوظة في العالم، فثمة تفسير يرتبط بعوامل بيئية مؤثرة في الصحة الإنجابية، مثل التلوث وتراجع جودة الحيوانات المنوية واضطرابات التبويض، التي قد تؤثر في الجينات النمائية أو تسبّب طفرات جينية أثناء تلقيح البويضة، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالتوحد. تدخلات فعالة * هل يمكن الشفاء من التوحد طبياً؟ أم أنه اضطراب يحتاج إلى تدخلات سلوكية فقط؟ - التوحد ليس مرضاً عضوياً يُعالج بالأدوية، بل هو اضطراب نمائي عصبي معقّد يؤثر في نمو الدماغ ووظائفه، ولاسيما التواصل والسلوك. لذلك، لا توجد علاجات طبية شافية له، لكن هناك تدخلات فعالة تُحسّن الحالة بشكل كبير. من هذه التدخلات: تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، والتدريب على المهارات الاجتماعية، وعلاج النطق، والعلاج الوظيفي، والتكامل الحسي، وبرامج تعديل السلوك. وكلما بدأ التدخل مبكراً وبشكل مكثف، زادت فرص التحسن لدى الطفل. لا يمكن الحديث عن (علاج نهائي)، لكن يمكن الوصول إلى مستوى عالٍ من التحسن أو الاستقلالية لدى بعض الأفراد. فكرة البحث * حدّثنا عن تفاصيل الاكتشاف وبراءة الاختراع؟ - الاكتشاف جاء بعد سنوات من البحث في العلاقة بين الجهاز المناعي والتوحد، خصوصاً لدى فئة من الأطفال تظهر عليهم مؤشرات لخلل مناعي أو التهاب عصبي مزمن. لاحظنا من خلال دراسات بيولوجية أن بعض الأطفال يعانون من اختلال في التوازن المناعي العصبي، واضطراب في التفاعل بين الجهازين المناعي والعصبي. استندنا إلى هذه الملاحظات لتطوير تركيبة مناعية طبيعية تسهم في تنظيم النشاط المناعي المفرط وتدعم استقرار الجهاز العصبي دون تدخل دوائي تقليدي. النتائج الأولية من التحليلات النظرية والمحاكاة البيولوجية كانت مشجعة، وأفضت إلى إعداد تركيبة علاجية تجريبية مبتكرة، تم توثيقها ضمن ملف علمي وتقني متكامل، سجل لاحقاً كبراءة اختراع مؤقتة في الولايات المتحدة الأميركية (Provisional Patent)، وهو يخضع الآن للتقييم تمهيداً للتجارب السريرية المستقبلية ضمن ضوابط أخلاقية صارمة وتحت إشراف لجان علمية متخصصة. أؤكد أن هذا التدخل لا يُمثل علاجاً نهائياً للتوحد، بل هو تدخل بيولوجي داعم، موجّه لفئة محددة من الأطفال ممن تُظهر تحاليلهم البيولوجية مؤشرات اختلال في المسارات المناعية العصبية. شركاء في الابتكار *ذكرت أن العمل جماعي.. من هم الشركاء؟ ومتى تبدأ التجارب السريرية؟ - نعم، البحث لم يكن جهداً فردياً، بل تعاون علمي بين نخبة من علماء العراق في اختصاصات دقيقة، شملت: * علم المناعة * علم الأعصاب * الصيدلة والتكنولوجيا الدوائية * الكيمياء الحياتية * الأحياء الجزيئية * الوراثة الطبية * الفسلجة الحيوانية * الفيزياء النانوية * العلوم السلوكية والتطبيقات النفسية نستعد الآن لإطلاق المرحلة ما قبل السريرية (Preclinical Phase) عبر تجارب على نماذج حيوانية، لتقييم السلامة والفعالية. بعد ذلك، وباستكمال التقييمات الأخلاقية، ننتقل إلى المرحلة السريرية البشرية، والمتوقع أن تبدأ في 2025 أو 2026. وقد أعددنا بروتوكولاً تجريبياً متكاملاً يتوافق مع معايير البحث الحيوي، وسنقوم – بإذن الله – بأخذ موافقات رسمية من لجان أخلاقيات البحث العلمي الحيواني في كليات الطب البيطري التي ستشارك في هذه المرحلة من التجربة، التزاماً تاماً بالضوابط الأخلاقية المحلية والدولية. بعد استكمال هذه المرحلة بنجاح، سيكون بإمكاننا الانتقال إلى التجارب السريرية البشرية، التي من المتوقع أن تبدأ -بإذن الله- خلال عام 2025 أو 2026. رد علمي على المشككين *ما ردكم على من يشكك في تسجيل الابتكار؟ وهل توجد وثائق رسمية؟ - أؤكد بشكل قاطع أن الابتكار الذي أعلنّا عنه مسجّل رسمياً في الولايات المتحدة الأميركية عبر براءة اختراع تحمل رقم الطلب: 63/788,011، والصادرة بتاريخ 13 نيسان 2025 لدى مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي (USPTO). كما أن جميع الوثائق القانونية محفوظة لدينا، وتشمل: * نسخة رسمية من إيصال تسلم الطلب من USPTO، * الرقم المرجعي الفيدرالي للطلب، * بيانات المخترع الرسمية، * وثائق تثبت الملكية الفكرية. ولأغراض الشفافية، نرفق لكم نسخة آمنة من إيصال التقديم الرسمي، بعد حجب البيانات الشخصية الحساسة، وهي وثيقة قانونية تُثبت أن الطلب قد تم تسجيله رسمياً ضمن القنوات الأميركية المعتمدة.