التوحد.. مرض نفسي أم اضطراب في السلوكيات؟

خضير الزيدي يعد الثاني من نيسان من كل عام يومًا عالميًا للتوحد، الذي يعرّف بأنه "اضطراب يشخص عند أطفال معينين، لهم نمط من السلوكيات الاجتماعية المختلفة، كفرط الحركة، وعدم الانتباه، وتشتت في الذهن، وفقدان الذاكرة، وصعوبة في التواصل الاجتماعي من خلال الكلام." تاريخيًا، شُخص هذا الاضطراب على يد الطبيب النمساوي (وليم كونر) في أميركا عام 1943، حين لاحظ تشابهًا لمجموعة معينة من الأطفال يمتلكون بعض التفاصيل، سمّاهم، في حينها، (الذاتويين)، لإنهم يميلون إلى العزلة في الحياة الاجتماعية. وتشير الإحصائيات الدقيقة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن كل 100 طفل يولد، من حديثي الولادة، يصاب طفل أو اثنان منهم باضطراب طيف التوحد. وعلميًا لم يوجد العلاج الدوائي الذي يمكن أن يعالج سمات طفل التوحد، لكن هناك مهدئات نفسية تخفف من حجم النشاط، أو ما يسمى (فرط الحركة)، وسنجد نفرًا من الأطباء يميلون إلى إعطاء فيتامينات ومنشطات للذاكرة، ولكن في الحقيقة بدت التدريبات في المراكز، على يد مدربين نفسيين، هي الفرصة المتبقية لتنشيط ذهن وعقلية طفل التوحد. الأسباب المعلنة هناك الكثير من الدراسات والمتابعات العلمية التي تضعها جمعيات ومؤسسات علمية نفسية وطبية عن التوحد، يتفق الغالب منها على وجود أسباب عدة، لعل اللافت منها يتعلق بالطفرة الجينية التي يصاب بها الزوجان، أو أن هنالك تراكمًا لمعادن ثقيلة داخل أمعاء الطفل، بالإضافة إلى الآثار الجانبية لما يعرف باللقاحات التي يكتسبها الأطفال حتى عمر السادسة، مع وجود أسباب أخرى تتعلق بزيادة نسبة البكتريا الضارة، ونقص نسبة البكتريا النافعة، وسبب يتعلق بنفاذية أمعاء الأطفال، وقد يلفت انتباهنا الأطباء إلى ما يسمى (بروتوكول هانز)، الذي من خلاله يمكن أن يجري العلاج. آراء الأطباء ما إن نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تظهر لنا، بين فترة وأخرى، إعلانات ممولة في الفيسبوك وتويتر، وبعض المواقع، لأطباء مختصين باضطراب التوحد، نسمع ونشاهد، عبر مواقعهم، العديد من الحالات التي يتشافى فيها أطفال مصابون باضطراب طيف التوحد، مع وجود توعية علمية يقدمها الأطباء لأهالي الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب. الدكتور حسن الساجد، يشير في كلامه عبر موقعه، إلى عوامل عدة تتعلق بالناقلات العصبية في الدماغ، والحمية الغذائية، كما يشير إلى العوامل الوراثية للأبويين، ومنها انخفاض وزن الطفل، وينبهنا إلى موضوعة الإهمال من قبل بعض الأهالي. لهذا يدعونا إلى عدم ترك الأطفال دون التوجه للأطباء. استجابات عقلية ونشاهد في صفحة الدكتور أسامة جار الله العاني، كيف يتعامل مع أطفال يعانون من طيف التوحد، ويشير إلى استجابتهم العقلية والذهنية والنفسية، بعد معالجة مشكلات النطق والفرط الحركي. أيضًا تابعنا حديث الدكتور حمزة السيوف، وهو يقول إن جميع أطفال التوحد يفتقدون إلى التركيز، أما أهم السمات فتتواجد عندهم إشكالية القلق والتوتر والعصبية، ويؤكد على أهمية النوم العميق عندهم، لما له من فائدة، ويقسمها إلى فرط حركة، وعدم قدرة على التركيز، ويعده مرضًا عصريًا يعاني منه الغرب والعرب معًا. ما التوحد؟ وما طيف التوحد؟ في الجانب الآخر من التنظير، سنجد في الكثير من الدراسات ما ينبهنا إلى الاختلاف بين الاثنين، فمنهم من يؤكد أن الفرق يتعلق في اللفظ فقط، ومنهم من يشير إلى قوة فرط حركي تتناسب، أو تختلف، من طفل لآخر، فهناك طفل يحمل سمات شديدة، كعدم التركيز، وقلة النطق، بينما نجد طفلًا لديه أقل السمات. يقول الدكتور خلدون الحافظ، وهو اختصاص استشاري أطفال حديثي الولادة، مع اختصاص دقيق في طيف التوحد، إن "اضطراب طيف التوحد سمي بالطيف، كاختلاف الألوان، والتميز بينهما بالشدة، وكل حالة تحتاج إلى تشخيص معين وعلاج خاص." لهذا يدعونا للذهاب إلى أطباء مختصين، ويحذرنا من عدم متابعة الأطباء لمعرفة التشخيص والعلاج الخاصين، ويلفت الانتباه إلى عدة أسباب، منها التلوث، واختلاف الجينات، واضطراب في الدماغ. ويؤكد المدرب نذير معيوف، رئيس (منظمة إصرار لذوي الاحتياجات الخاصة) أن الجمعية الأميركية للطب النفسي هي افضل من كتب عن الأمر بشكل علمي حينما أصدرت دليلًا منذ عام 2013 سمي dsm4، وبعدها جرى تحديثه dsm5 وهو دليل تشخيصي يضم الاضطرابات النفسية، وضمنها التوحد. وفي آخر نسخة، وهي من الدليل، أطلق عليه (اضطراب طيف التوحد)، باعتبار أن الاضطراب يضم أكثر من اضطراب آخر كانت تشخص بشكل منفصل، مثل (سبرجر) و(اضطراب الطفولة التفككي)، وكلها تتشابه بالسمات وتختلف بشدة الأعراض. ويشير إلى بعض الإجراءات غير العلمية التي رافقت رحلة البحث بالاضطراب، ما سبب مشكلات صحية تركت أثرها بشكل سلبي على الأطفال، ومنها غرف الأوكسجين المضغوط، والعلاج بالحمية القاسية. وحسب رؤيته، ورؤية الأطباء، بأن أشدها خطرًا هو ما يسمى بسحب المعادن الثقيلة من الجسم، وللأسف يستخدمه البعض هنا عن طريق أدوية محظورة، لكنهم محميون بطريقة غريبة. فرط الحركة في جولة تفقدية لأكثر من مركز، وجدنا مجموعة من المدربين من الجنسين، يشير بعضهم إلى وجود صعوبة في التعامل مع بعض أطفال التوحد، لأن حالاتهم محرجة، بينما تقول مدربات، إننا "اعتدنا في التعامل معهم لاعتبارات إنسانية، فشريحة أطفال التوحد يحملون سمات الذكاء والرغبة في التعايش مع غيرهم، لكن التشخيص يختلف من طفل لآخر. تقول السيدة ورود، وهي مدربة ذكية تعاملت مع أطفال كثيرين، إن "على المدرب أن يتحلى بالصبر ومعرفة كيف يتعامل مع الطفل." وعن سؤالنا لها عن الطريقة المحببة لهم، قالت إن "طفل التوحد يحب اللعب، لأنه يمتلك فرط حركة، وشهدنا حالات شفاء، لكن بدرجات بطيئة." وحينما توجهنا لإحدى الأمهات وهي تتابع طريقة تعليم طفلها قالت "إننا نجد فرقًا كبيرًا بين جلوس ابني في البيت ووجوده هنا في هذا المركز، لأنه يتكيف في التعايش اليومي مع أطفال آخرين، لكنني أخشى عليه من تقليد بعض الحركات من أطفال قريبين منه، تبدو عليهم الشدة في الاضطراب."