100%
زياد العاني
في قلب بغداد، وبحضور نخبة من الفنانين والمهتمين بالفن، والإعلاميين، أُعيد افتتاح قاعة (ألق)، التي تُعدّ من القاعات الفنية المهمة في تعزيز الفن التشكيلي العراقي. إن عودة هذه القاعة إلى المشهد الثقافي بمثابة استعادة لمساحة لطالما احتضنت تجارب فنية مميزة، واحتفظت بذاكرة بصرية غنية للمدينة وفنانيها.
جاء افتتاح القاعة هذه المرة بهوية متجددة ومعرض جمعي ضمّ أعمالًا فنية جديدة لنخبة مهمة من الفنانين العراقيين، في طيف متنوع من الاتجاهات والأساليب والرؤى المعاصرة، عبّر عنها كل من: سعد علي، وسلام جبار، وعلي رضا، ومرتضى حداد، ومحمد مسير، ومؤيد محسن، ومنذر علي، وآخرين.. وهذه الأسماء تمثّل طيفًا متنوعًا من التجارب، بعضها ينتمي إلى جيل التسعينيات وما بعده، وبعضها الآخر لأسماء رسّخت حضورها منذ عقود، لكن ما جمعها هو الإخلاص للفن، والرغبة في تقديم جديد بصري يُحاكي تحولات الإنسان والمدينة والذاكرة.
حضور نوعي
تميّزت أجواء الافتتاح بحضور واسع من فنانين ونقّاد ومهتمين بالفن التشكيلي، ما أضفى على المناسبة طابعًا احتفاليًا بعودة مكان طالما شكّل منصّة عرض حيوية لأجيال من التشكيليين العراقيين. وازدادت الأمسية عمقًا وتأثيرًا بمرافقة موسيقية رفيعة قدّمها العازف أدور المولى على آلة الجلو، حيث عزف مقطوعات تناغمت مع الطيف البصري المعروض، لتمنح المتلقي تجربة حسّية متكاملة جمعت بين الصوت واللون، وبين الإحساس والذاكرة.
قاعات العرض الفني، مثل قاعة (ألق)، لا تؤدي دورًا جماليًا فقط، بل تقوم بوظيفة ثقافية واجتماعية شاملة، إذ تشكّل فضاءات للتعبير، والتلاقي، والنقاش، وهي بمثابة جسر بين الفنان والمجتمع.
يُذكر أن تاريخ الفن التشكيلي العراقي حافل بالتجارب الرائدة، التي كانت جزءًا من الهوية الثقافية للبلد. وعودة هذه القاعة إلى نشاطها، وافتتاح قاعات أخرى جديدة، يمثّلان محاولة لاستعادة ذلك المجد، ليس فقط من باب الحنين، بل بوصفه ضرورة لاستمرار الفعل الثقافي والفني، وتوفير مناخ يدفع الفنانين، وحتى الهواة، إلى الإبداع، ويمنح المتلقّين فرصة للتماس المباشر مع ما يُنتَج اليوم من رؤى وأفكار وتصورات.
تحفيز الأجيال
كما أن لهذه القاعة دورًا في تحفيز الأجيال الجديدة من الفنانين، وخصوصًا موقعها القريب من كلية الفنون الجميلة، إذ توفّر لطلبة الفن فضاء للاحتكاك بتجارب من سبقوهم، وتشجعهم على تقديم نتاجهم ضمن إطار احترافي. وغالبًا ما تكون تلك الخطوات الأولى على طريق التكوين الحقيقي للفنان، إذ تُعدّ مدرسة موازية، خارج الصفوف الأكاديمية، فيها يتكوّن الحسّ النقدي، وتتشكل الذائقة البصرية العامة.
إعادة افتتاح قاعة (ألق) ليست مجرد لحظة احتفالية عابرة، بل جزء من مقاومة رمزية، يُصرّ عبرها الفنانون والمثقفون على البقاء، وترسيخ الحضور الثقافي في مدينة طالما كانت منبرًا للإبداع، برغم كل ما مرّ بها من أوجاع. هي عودة الروح إلى فضاء بصري له تاريخه، وله جمهوره، وله أثره العميق في الذاكرة الجمعية للفن العراقي.