100%
أحمد سعداوي
على هامش التغطية الإعلامية لفوز الروائي المصري محمد سمير ندا بالجائزة الدولية للرواية العربية (البوكر العربية 2025)، التي أعلنت مؤخراً، نقرأ أن الروائي ولد في بغداد 1978، حينما كان والده الأديب المعروف سمير ندا يقيم مع زوجته، ويعمل في الصحافة العراقية في ذلك الوقت.
بقي سمير ندا في بغداد حتى أدرك بدايات الحرب العراقية الإيرانية، ليعود والده بعدها الى مصر، ويتنقّل في الوظائف بين الدول العربية. وما زال ابنه الروائي البوكري يحتفظ بذكريات من الفترة البغدادية.
كانت بغداد في النصف الثاني من عقد السبعينيات تعيش "الفورة النفطية"، وكانت بالنسبة للكثير من الخبراء والموهوبين العرب أشبه بدول الخليج العربي في يومنا هذا، تستقطب المبدعين من كلّ مكان، فالإقامة والعمل في العراق كانا جاذبين بسبب القوّة الشرائية العالية للدينار في ذلك الوقت.
واحد من مصادر قوّة مطبوعات دار ثقافة الأطفال العراقية أنها استقطبت رسامين مصريين وعرباً موهوبين، بقي بعضهم يعمل فيها خلال عقد الثمانينيات، بالإضافة الى كتّاب الأطفال، مثل السوري شريف الراس.
كانت هذه الشخصيات الثقافية العربية تتفاعل مع الثقافة العراقية، تأخذ منها وتضيف إليها، بسبب حيوية الواقع الثقافي العراقي، ولعلّ التأثير الأكبر كان لشخصية مثل جبرا ابراهيم جبرا، الفلسطيني / العراقي، الذي اندمج تماماً في المشهد الثقافي العراقي، وكان مؤثراً في تطوّر الثقافة العراقية في مجالات النقد التشكيلي والشعر والترجمة والرواية، وكم كان مثيراً بالنسبة لي أن أكتشف أن رواية "صيادون في شارع ضيّق" لجبرا، هي الرواية الوحيدة في تلك الأوقات التي صوّرت مشهداً من التعزية الحسينية.
تكون الصلة أكثر عمقاً مع العراق عند روائي كبير آخر هو عبد الرحمن منيف، الذي ولد في عمّان من أبوين سعوديّين، ولكن جدّته لأمّه كانت عراقية (على خلاف الشائع بأن أمّه عراقية). وتعزّز الخطّ العراقي في هويته حين جاء إلى بغداد ليدخل في كلية الحقوق في الخمسينيات، ثم ليأتي ويكتب رواية، كان يفترض أن يكتبها أدباء عراقيون، وأعني ثلاثية "أرض السواد".
من يقرأ هذه الرواية يرى عمق التشرّب بالتفاصيل، والروح العراقية الطاغية. وهي لا شكّ نابعة من كاتب لم يتناول العراق فضاءً لعمله الابداعي فحسب وإنما تشبّع به وأحبّه.
رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر كان بطلها عراقياً، يسافر إلى الجزائر ويخوض مغامراته هناك، ويحضر المكان العراقي في مقطع صغير في الرواية القصيرة العظيمة "رجال في الشمس" للروائي الفلسطيني غسّان كنفاني، حين يحاول "ابو الخيزران" العبور من البصرة إلى الكويت بشاحنة خزّان ماء فيها أبطال الرواية الثلاثة.
تتنوّع دوافع وخلفيات الأدباء والمبدعين العرب الذين كانت لهم صلة بالعراق، لكنها تمنحنا صورة عن بلد مفتوح على محيطه في الأعم الأغلب من مراحل تاريخه، بل إن النظر إلى الصورة الشاملة يجعلنا نقف على أسماء عديدة في مجالات مختلفة، سياسية وأكاديمية ودينية (إذا استذكرنا الرجال الذين درسوا ولمعوا انطلاقاً من حوزة النجف مثلاً)، وأن العراق، تبعاً لذلك، ليس بلداً هامشياً، بل أساسياً وحاضرة مهمّة من حواضر الثقافة والإبداع العربي.