100%
أربيل / ضحى مجيد سعيد
حين تُذكر الثقافة بوصفها ذلك "الكلّ المركّب من المعرفة والفن والأخلاق والعادات"، كما وصفها إدوارد تايلور، فإن الهوية الكردية تنهض كمثال حي على تجسيد هذه العناصر في سياق تاريخي متجذر، وإنساني نابض. فالثقافة الكردية لم تكن طارئة أو وافدة، بل نمت في رحم الجغرافيا، وتشكّلت في قلب الأحداث، حتى صارت رمزًا للعراقة، وصوتًا للمعاناة، وروحًا للإبداع.
لم تحتج الهوية الكردية إلى "حدث" كي تُعرَّف، إذ إن وجودها المديد في المنطقة العربية والإسلامية كافٍ لجعلها ماثلة للعيان. لكن التحولات الأخيرة، وصعود موجات العنف والتطرف، أعادت تسليط الأضواء على هذه الهوية، لا فقط لما تعرضت له من ظلم، بل لما تمتلكه من مخزون معرفي وثقافي أثار اهتمام باحثين من داخل الكرد وخارجهم، فكان علم "الكوردولوجيا" بوابةً للدراسة والغوص في هذا الثراء.
هوية تروى
تعرّف (الكوردولوجيا) بأنها "ميدان معرفي يتناول الهوية الكردية من جوانب سياسية واجتماعية وثقافية وتاريخية، عبر تحليل البُنى التراثية واللغوية والفنية." يقول الشيخ عثمان المفتي إن كل ما كتب عن الكرد – حتى من غير الكرد – هو من صلب الكوردولوجيا، التي تعود بجذورها إلى كتابات المؤرخ اليوناني كسينوفون، ثم مؤلفات المسعودي، وصولًا إلى البحوث الحديثة.
أما الدكتور يوسف حمه صالح، فأوضح أن الثقافة عادة ما تزدهر على يد نخبة من المثقفين، الذين يمتلكون رصيداً معرفياً جيداً، ومتابعات دقيقة، من خلال القراءة في كل المجالات التي تشمل الحياة بصورة عامة، نخبة يرى أنها موجودة وحاضرة في كردستان، لكنها لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، في ظل انحسار ثقافي لأسباب سياسية واجتماعية، فضلًا عن التحديات التي فرضتها الثورة الرقمية. متسائلًا: "الثقافة لا تُختزن في الكتب فقط، بل يجب أن تُلامس الشعب، وإذا لم تصل إليه، فما فائدتها؟
فعل ثقافي حي
فيما ترى الدكتورة شيلان عبد القادر أن النص الذي يُدرج ضمن (الكوردولوجيا) يجب أن يكون صادرًا عن باحث غير كردي، ليعكس رؤية خارجية للهوية الكردية. من جهته، يلفت الإعلامي كفاح محمود إلى أن الفعل الثقافي في إقليم كردستان لم يتوقف رغم الحروب والأزمات، بل ازدهر في المسرح والسينما والفنون، مدعومًا بجهود أكاديمية ونقابية ومجتمعية، إذ نُظمت مهرجانات دولية في أربيل ودهوك والسليمانية، منذ عام 2014 وحتى اليوم، مؤكداً أن "هذا الإصرار الثقافي يعكس جوهر الهوية الكردية: المقاومة بالمعرفة والجمال."
نقد وتمحيص
وفي جانب نقدي، يدعو الدكتور سامال سورجي إلى إعادة النظر في طبيعة الدراسات الكوردولوجية، بمعايير الإنصاف والموضوعية ومستوى تأثير الجانب الذاتي والشخصي للباحث في تناوله الوقائع والحقائق، الأمر الذي يتطلّب – بحسبه - التركيز على رؤية الباحث وخلفيته الثقافية والآيديولوجية، وزاويته التي اعتمدها في المقاربة النقدية أو المتابعة الميدانية، إلى جانب تحليل موضوع الدراسة وطبيعتها ومصادرها ونوعيتها، متسائلًا عن مدى موضوعية الباحث، ومدى احتكاكه الحقيقي بالثقافة الكردية، مؤكدًا أن "الخلفية الفكرية وزاوية التناول تلونان رؤية الباحث للشخصية الكردية وتصنعان فارقًا في قراءة واقعه، ما يجعل هذا العلم أقرب إلى طيف غني لا يمكن حصره في قالب واحد."
أدب الذاكرة
من جانبها، بيّنت الباحثة دلال نيهاد: أن "الأدب هو الذاكرة العميقة للشعوب، ومن خلاله يمكن استقراء التاريخ الثقافي والاجتماعي للمجاميع الإثنية المختلفة." مضيفة أن "للأدب الكردي ملامحه الخاصة التي تجعله جزءًا من الأدب الإنساني، وتمنح النقد الأدبي فيه بعدًا معرفيًا."
فيما أكد الباحث سيروان القاضي أن إلمام الكثير من الكرد في العراق باللغة العربية، سهّل عليهم التواصل الثقافي على الصعيدين المحلي والإقليمي، مشددًا على "ضرورة تعزيز جسور التفاهم الثقافي بين الشعوب، عبر الحوار المفتوح، لما لذلك من مكاسب معرفية وحضارية وحتى سياسية واقتصادية، للأطراف كافة، في إطار رؤية للحوار الثقافي تصبّ لصالح خير شعوب المنطقة ورفاهها."