100%
الشبكة العراقية
في كل زمن، تظل للفن رموزه الكبار، الذين يتركون أثرًا لا يُمحى في الذاكرة الجمعية. ويعدّ الفنان محمد حسين عبد الرحيم أحد أولئك الذين نقشوا أسماءهم في سجل البهجة العراقية، بصوتٍ ساخر، وقلبٍ نابض بمحبة الناس، وموهبةٍ عصيّة على النسيان.
مسيرة بعيدة
على الرغم من أنه بدأ مسيرته في مسار بعيد عن التمثيل، إلا أنه استطاع، بذكائه الفني وقدرته على التقاط نبض الشارع، أن يتحوّل إلى رمز من رموز الكوميديا العراقية الأصيلة، تلك الكوميديا التي لا تسعى وراء الضحك السهل، بل تحمل في طياتها رسائل إنسانية، وتعبّر عن هموم الناس وهمساتهم. لم ينجرف عبد الرحيم خلف أضواء البطولة المطلقة أو إغراءات الشهرة، بل بقي وفياً لفنه، مقدّماً كل ما يراه صادقاً، سواء كان في الصدارة أو في الهامش.
وُلد عبد الرحيم عام 1951 في محلة قنبر علي ببغداد، ونشأ على شغف بالغ بالموسيقى، حتى صنع لنفسه آلة موسيقية وهو صغير. دخل الإذاعة طامحًا في أن يكون مطربًا، مقتنعًا بجمال صوته، لكن القدر قاده إلى عالم التمثيل، حين عُرضت عليه فكرة التمثيل من قبل أحد أصدقائه في قسم المنوعات. لم يكن الطريق سهلًا، فقد واجه تحديات كبيرة في إثبات موهبته، لكن نقطة التحوّل جاءت في عام 1979 عندما شارك في مسلسل (محطات الذاكرة)، لتتوالى بعده النجاحات، وأهمها مسلسل (حالات تعبان)، الذي التصق اسمه به حتى صار (تعبان) مرادفًا لعبد الرحيم في ذاكرة العراقيين.
أعمال ناجحة
شكل ثنائيًا كوميديًا محبوبًا مع الفنانة أمل طه في (استراحة الظهيرة)، ثم توالت أعماله الناجحة، مثل (أحلى الكلام، وأيام الإجازة، وأبو نادر، وذئاب الليل بجزئه الثاني)، فضلًا عن مشاركاته المسرحية المميزة إلى جانب راسم الجميلي وسامي قفطان، حيث أسسوا (مسرح السلام)، وقدّم أعمالًا مهمة، مثل (حايط نصيص) و(ألف عافية وعافية).
في السينما، لم يكن حضوره أقل بريقًا، فشارك في أفلام منها (عمارة 13، وبابل حبيبتي، ومكان في الغد). كما خاض تجارب عربية مشتركة مع فنانين بارزين، كأحمد راتب، ووحيد سيف، وداوود حسين.
وبالرغم من أن الناس ارتبطت به كفنان كوميدي، فقد أثبت في مسلسل (واحد + واحد) أنه ممثل متعدّد الأوجه، حين قدّم دورًا جادًا لشخصية العم المصلح، مبتعدًا عن الكوميديا المعتادة، في أداء نال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.
قمة الممثلين
وبتواضعه المعروف، لا يرى عبد الرحيم نفسه في قمة الممثلين، بل يعتبر أن القمة الحقيقية هي "في قلوب الناس"، وهي مكانته الأثمن والأبقى. يرى أن لكل فنان مجتهد نصيبه، ويكفيه أن الجمهور لم ينسه رغم الغياب، بل يذكره بمحبة، ويبتسم كلما ذُكر اسمه.
بعد كل هذه المسيرة، لا يطلب عبد الرحيم من الحياة سوى أن يحتفظ بتلك المحبة الصافية من جمهوره، وأن يكتب مشهده الأخير بحروف الوفاء والتقدير لما قدّم من فن راقٍ ونبيل، عَبَرَ الضحك ليصل إلى القلوب، وظلّ، برغم كل شيء، صانعًا للبهجة.. التي لا تموت.