بغداد: وليد التميمي /
تستعد العاصمة العراقية بغداد لاحتضان القمة العربية المقبلة، في خطوة تحمل دلالات سياسية وستراتيجية بالغة الأهمية، ليس فقط للعراق بل لمنظومة العمل العربي المشترك برمتها. ويأتي هذا الحدث المرتقب في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات متسارعة وتحديات متفاقمة، ما يضفي على القمة بعداً خاصاً، بعيدًا عن اللقاءات البروتوكولية، إلى ما يشبه إعادة صياغة للأولويات العربية الجماعية. وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قد وصف احتضان بغداد القمة العربية بأنها "علامة فارقة وفرصة تاريخية لتجديد مشروع العمل العربي المشترك، واستعادة زمام المبادرة، وتثبيت موقع العالم العربي كقوة فاعلة، لا ساحة تنازع." وقال في مقال نشر له في صحيفة الشرق الأوسط السعودية إن "القمة العربية في بغداد تأتي في سياق تحولي. إنها لحظة تلتقي فيها الإرادة الوطنية العراقية مع الأمل العربي العام في تجاوز الخلافات، والانطلاق نحو بناء منظومة تعاون عربي فعّالة وشاملة." مضيفًا.. أن "العراق لا يرى نفسه لاعبًا منفردًا، بل يرى أن دوره الحقيقي يكمن في الجمع بين الأشقاء، واستعادة الثقة بمؤسسات العمل العربي، والتأسيس لعصر جديد من الشراكة السياسية والاقتصادية." واسترسل قائلًا: "نحن اليوم لا نعيد بناء العراق فحسب، بل نشارك في إعادة رسم ملامح الشرق الأوسط، عبر سياسة خارجية متوازنة، وقيادة واعية، ومبادرات تنموية، وشراكات ستراتيجية. ومن بغداد، نوجه نداءً لكل العواصم العربية: آن الأوان لأن نبدأ من جديد، على أرضية جديدة، ومنهجية جديدة، وإرادة جديدة." وختم بالقول: إن بغداد، عاصمة الفكر العربي والتاريخ المشترك، تفتح ذراعيها لقمة العرب، وهي على ثقة بأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وأن أمامنا فرصة ثمينة لصياغة مستقبل أكثر تماسكًا وكرامةً لشعوبنا." منذ انطلاق أول قمة عربية، ظلت هذه الاجتماعات تمثل مساحة لتبادل الرؤى ومناقشة القضايا المصيرية التي تهم العالم العربي. كما مثّل كثير منها محطات مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وتنسيق العمل المشترك في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. أما اليوم، فإن القمة المزمع انعقادها في بغداد تُعد حدثاً نوعياً على عدة مستويات. فهي تعكس من جهة عودة العراق إلى واجهة العمل العربي كلاعب متزن، يسعى إلى تقريب وجهات النظر وتخفيف حدة الاستقطاب، ومن جهة أخرى، توفر القمة فرصة عملية لتعزيز ملفات التعاون الاقتصادي، وتفعيل مشاريع إقليمية طموح، مثل الربط الكهربائي، والتنسيق الأمني، ومواجهة التغير المناخي. إن احتضان بغداد لهذا الحدث العربي البارز لا يحمل فقط رسالة سياسية بل يؤكد على أن العراق، رغم سنوات المحن، يعود بثقة ليؤدي دوره التاريخي كجسر للتواصل والتفاهم بين العرب.
القمم العربية تاريخيًا * قمة مصر بالإسكندرية عام 1946: دعت إلى "وقف الهجرة اليهودية". * قمة بيروت عام 1956. إثر العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة . * قمة القاهرة عام 1964 ودعت إلى إنهاء الخلافات العربية. * قمة الدار البيضاء عام 1965 طالبت بالالتزام بميثاق التضامن العربي. * قمة الخرطوم عام 1967 وخرجت باللاءات الثلاث. * قمة الرباط عام 1969. لكن لم تكتمل أعمال هذا المؤتمر. * قمة القاهرة الاستثنائية عام 1970. * قمة الجزائر عقدت عام 1973، في أعقاب حرب أكتوبر. * قمة الرباط عام 1974، دعت إلى التحرير الكامل لكافة الأراضي العربية المحتلة. * قمة الرياض الاستثنائية عام 1976، عقدت بمبادرة من السعودية والكويت. * قمة القاهرة عام 1976، دعت الى إعادة إعمار لبنان. * قمة بغداد عقدت عام 1978 ردًا على اتفاقية كامب ديفيد. * قمة تونس 1979 شددت على موقف الدول العربية الرافض لاتفاقية كامب ديفيد. * قمة عمان عام 1980. * قمة فاس عام 1982. * قمة الدار البيضاء الاستثنائية في 1985 بحثت القضية الفلسطينية. * قمة عمان الاستثنائية عام 1987 أعلنت تضامنها مع الكويت والسعودية والعراق. * قمة الجزائر الاستثنائية عام 1988 أيدت انتفاضة الشعب الفلسطيني. * قمة بغداد الاستثنائية عام 1990 رحبت بوحدة اليمنين الشمالي والجنوبي. * قمة القاهرة الاستثنائية عام 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. * قمة عمان عام 2001. * قمة بيروت عام 2002. * قمة شرم الشيخ عام 2003 أعلنت رفضها المطلق لضرب العراق. * قمة الجزائر في 2005 أبدت تضامنها مع لبنان. * قمة الخرطوم في 2006. * قمة الرياض في 2007 جددت الالتزام بالسلام العادل. * قمة دمشق في 2008 دعت إلى تجاوز الخلافات العربية. * قمة الدوحة في 2009 أكدت تضامنها مع السودان. قمة بغداد في 2012 ناقشت الديون المترتبة على العراق. * قمة الدوحة في 2013. * قمة الكويت في 2014 أكدت أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية. * قمة نواكشوط بموريتانيا في 2016 بحثت النزاعات في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. * قمة الأردن 2017 أكدت حماية العالم العربي من الأخطار التي تحدق به. * قمة الظهران بالسعودية 2018. * قمة تونس 2019. * قمة البحرين في عام 2024 أكدت ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
قمة بغداد جاء تحديد يوم انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين لعام 2025 في بغداد بإعلان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين أن يوم 17 أيار 2025 سيكون موعداً رسمياً لانعقاد القمة العربية، بعد أن عمل العراق على تهيئة جميع الظروف الملائمة لضمان نجاحها، والتنسيق الكامل بين الجهات المعنية لضمان تنظيم القمة بأعلى مستويات الاحترافية والكفاءة، بما يعكس صورة إيجابية عن البلاد ويعزز مسيرة العمل العربي المشترك. وكان رئيس مكتب الأمين العام في جامعة الدول العربية قد أكد أن الجامعة تواصل عملها مع الجانب العراقي لاستكمال الاستعدادات لإقامة القمة العربية. وستبدأ الاجتماعات بين كبار المسؤولين، ثم يعقبهم المندوبون، وبعدها وزراء التجارة العرب، ثم وزراء الخارجية العرب، إلى أن تكتمل القمة يوم 17 أيار بحضور القادة والزعماء. ويحظى انعقاد مؤتمر القمة في بغداد بأهمية كبيرة للعراق، فعلاوة على سعي الحكومات المتعاقبة إلى ترميم علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي وإصلاح ما أفسده نظام صدام بسياساته المتهورة وما خلفه ذلك من عزلة دولية وإقليمية عطلت دور العراق الريادي كدولة محورية في المنطقة ، تأتي استضافة القمة العربية في هذا الظرف البالغ الحساسية الذي تواجه فيه الدول العربية تداعيات سياسية وأمنية خطيرة لتعزيز مكانة العراق الإقليمية وإظهار استعداده للعب دوره الريادي في المنطقة كدولة محورية ذات ثقل سياسي واقتصادي.
