حوار: أحمد عبد ربه /
في بلادٍ أنهكتها الانتظارات، تنهض (مبادرة ريادة) كأول نبضٍ حكوميّ يتجاوز ثقافة التوظيف نحو أفق أرحب من التمكين والإبداع. هنا، لا تُمنح الوظائف بقرارات مركزية، بل تُحفز الفرص من أعماق الكفاءات، وتُزرع بذور الإنتاج في تربة الطموح الشعبي. منذ انطلاقها، استقطبت المبادرة ما يقارب نصف المليون روحٍ حرّة تطمح إلى كسر طوق الاتّكال. وأضحى السابع والعشرون من كلّ شهر نافذةً يُطل منها الشباب للتسجيل في تطبيق (مبادرة ريادة)، ما يمنحهم فرصة للحصول على مشاركة في دورةٍ تدريبية تقودهم إلى فرصة تمويلية عبارة عن قروضٍ ميسرة، وعلى فئتين، الأولى من مليون الى 20 مليونًا والثانية تبدأ من 21 مليونًا وتصل إلى 100 مليون دينار. أما الغد، فموعده ثلاث سنوات فقط، قد نشهد فيها ولادة 150 ألف فرصة عملٍ حقيقية، لا تأتي من باب التوظيف، بل تُصنع من عرق المبادرة وهمّة الطموحين ومواكبة لمتغيرات واحتياجات سوق العمل. تلك الأرقام والطموحات تحدّث عنها مستشار رئيس مجلس الوزراء ورئيس فريق (مبادرة ريادة)، الدكتور حسين فلامرز، في حوار خاص مع مجلة "الشبكة العراقية"، كشف خلاله أيضًا عن قرب إطلاق مبادرة جديدة مخصصة لربّات البيوت، لتصبح هذه الشريحة شريكًا فاعلًا في صناعة مستقبل أكثر عدالةً وازدهارًا. في بداية حوارنا سألنا المستشار: *ما الأهداف التي تسعى (ريادة) لتحقيقها على المديين القصير والبعيد؟ -(مبادرة ريادة)، أطلقها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في الرابع من آذار 2023، لتحقيق جملة من الأهداف الواضحة، في المدى القصير، تهدف المبادرة إلى إعادة دمج الشباب العراقي في سوق العمل، من خلال تنمية مهاراتهم وتمكينهم من تأسيس مشاريعهم الخاصة بما ينسجم مع التحولات في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي. أما على المدى البعيد، فالرؤية تقوم على خلق مجتمع ريادي منتج ونشط، يكون فيه كل شاب فاعلًا ومشاركًا في صناعة مستقبل بلده. *كيف تميزت (ريادة) عن المبادرات السابقة لدعم الشباب والمشاريع الصغيرة؟ -ما يجعل (مبادرة ريادة) فريدة من نوعها هو أنها اعتمدت على البنى التحتية والموارد البشرية الموجودة فعلًا، من دون اللجوء إلى تأسيس مؤسسات جديدة أو هياكل بيروقراطية مكلفة. فقد أُتيح للطالب الجامعي، مثلًا، أن يتلقى التدريب داخل جامعته، بإشراف أساتذته الذين تحولوا من مجرد محاضرين إلى مدرّبين وموجّهين وأصحاب حلول. هذا النموذج طُبّق أيضًا في مراكز التدريب المهني، والإعداديات المهنية كافة، ومنتديات الشباب والرياضة في بغداد وجميع المحافظات، حيث خضع العاملون فيها إلى تدريب متخصص ليتمكنوا من توجيه الشباب نحو ريادة الأعمال واستثمار مواهبهم وأفكارهم وخبراتهم العملية، كما ساهم التطبيق الإلكتروني الخاص بالمبادرة في توسيع قاعدة المشاركة، إذ وصل إلى أبعد أقضية العراق مثل تلعفر، وراوة، وعانة، والفهود، وأبو الخصيب، وخانقين. *من الفئات المستهدفة ؟ وهل هناك تمييز إيجابي للخريجين أو النساء أو المناطق الفقيرة؟ -المبادرة مفتوحة لكل العراقيين من عمر 16 إلى 50 عامًا ممن لديهم فكرة مشروع، خدمية أو إنتاجية، من دون قيود أو تصنيفات معقدة أكثر. لذلك، وصل عدد المسجلين الآن إلى ما يقارب نصف مليون شخص. ومع أننا لا نفرّق في الفرص بحسب النوع أو المنطقة، فإننا ندرك وجود فئات بحاجة إلى دعم خاص، كالنساء وربات البيوت. ولهذا نعمل حاليًا على إطلاق مبادرة خاصة تحت مسمى (مبادرة ربات البيوت). نحن لا نوزّع الرعاية بل نمنح الفرص، ونحثّ كل من يشعر بأنه مستعدّ على الانضمام، أن يتجه أولًا إلى مراكز التدريب قبل أن يعود لتأسيس مشروعه الخاص من خلال (ريادة). *كيف تتقاطع المبادرة مع رؤية الحكومة للنهوض بالقطاع الخاص وتخفيف الاعتماد على الوظائف؟ -(ريادة) هي المبادرة الحكومية الأولى التي تستهدف القطاع الخاص بشكل مباشر. يتلقى المتدرب المهارة ثم يحصل على قرض لينشئ مشروعه الخاص في السوق. وبدلًا من انتظار التوظيف الحكومي، يصبح هو مَن وفّر فرص العمل لنفسه ولغيره، نريد أن ننتقل من (التعيين) إلى (التمكين)، ومن ثقافة الانتظار إلى ثقافة الإنتاج. *هل هناك تقديرات لحجم فرص العمل التي ستوفرها المبادرة؟ وكم عدد المستفيدين حتى الآن؟ -حتى الآن، تم تسجيل نحو نصف مليون شاب وشابة في (ريادة)، وتم منح أكثر من 10 آلاف قرض، ساهمت في مشاريع كثيرة، وتابعنا حتى الان أكثر من 4 آلاف مشروع فعلي، وفّرت بدورها ما يقارب 10 آلاف فرصة عمل مباشرة. نقدّر أن كل مشروع يوفر من 2 إلى 3 فرص عمل، ونتوقع في السنوات الثلاث المقبلة منح 50 ألف قرض، ما سيوفر نحو 150 ألف فرصة عمل، الأمر الذي من شأنه أن يضع الأساس لتحوّل اقتصادي حقيقي في العراق. *ما حجم التمويل المرصود للمبادرة؟ وهل هناك دعم من شركاء دوليين أو منظمات تنموية؟ -حصلت المبادرة على دعم نوعي من جهتين أساسيتين: أولًا، هيئة الإعلام والاتصالات، التي دعمتنا في 2023 بتخصيص جيد يكفي لتدريب الشباب وتأهيلهم رقميًا، نظرًا لكون المبادرة ترتكز على المهارات الرقمية، ويستخدم التطبيق من قبل جميع المشاركين دون استثناء. وثانيًا، وزارة المالية، التي قدّمت تعزيزًا ماليًا مباشرًا في 2024 ومستمرًا، ما مكّن المبادرة من أن تتطور إلى (مديرية الريادة والتميّز)، لتبقى ضمن الهيكل الحكومي الدائم. أما من حيث الدعم الدولي، فلم نتلقَ أي دعم من منظمات خارجية أو شركاء دوليين، ونحن على تواصل معهم ونطلعهم بشكل دائم على تطورات المبادرة. *كيف تضمن الحكومة عدم استغلال التمويل من قبل جهات غير مستحقة؟ -تم تصميم المبادرة بأسلوب دقيق يراعي الجدوى الاقتصادية لكل مشروع. إذ إن للمبادرة تطبيقًا إلكترونيًا متطورًا، ومن الطراز العالي، وفيه أساليب حماية عالية، ما يمنح الجميع فرصة التسجيل، كما أن طلب القروض يتم من خلال التطبيق ذاته بالتعاون مع المصارف المانحة للقروض، التي تُمنح بناءً على فكرة مدروسة، وبعد اجتياز المتدرب دورات تأهيلية تثبت أنه يمكنه إدارة العمل الذي يتمنى تحقيقه. بالإضافة إلى أن المشارك يمكنه أن يكرر المشاركة أكثر من مرة في حالة عدم النجاح في المرة الأولى! وكل ذلك يتم إلكترونيا. كما أن وجود الكفيل يُعد شرطًا للتمويل من أجل الحفاظ على المال العام، ولدينا منظومة متابعة دقيقة ترصد الأداء ومراحل تنفيذ المشروع. وفي حال ثبوت عدم جدوى المشروع، فإننا لن نتردد في إيقافه. *ما آلية التقديم على المشاريع ضمن المبادرة؟ _تطبيق (مبادرة ريادة) يُتاح فيه التسجيل حاليا مرة واحدة كل شهر، في يوم 27 بالتحديد ولمدة 24 ساعة. يتضمن التطبيق شروحات وفيديوهات توضيحية لتسهيل التسجيل وطلب القرض وتسديد الأقساط، وكذلك رفع توثيقات المشروع ونشاطاته، ويُرسل من خلاله إشعار إلكتروني للمرشح لحضور دورة تدريبية. وبعد اجتياز التدريب، يمكن التقديم على القرض أيضًا إلكترونيًا وتسلم القرض. كما أن لنا إجراءً مهمًا، وهو أننا نقدّم تقارير شهرية مفصلة إلى صانعي القرار، الذين بدورهم يجسدونه ويضمونه للتقرير النصف سنوي للبرنامج الحكومي، ويعرض على البرلمان.
