وسام عويد
في صباحٍ مفعمٍ بالترقّب، احتشدت بغداد بالمسؤولين، ورؤساء الهيئات الحكوميَّة، وممثلين عن القطاع الخاص، إلى جانب سفراء ودبلوماسيين وأكاديميين وخبراء. كان الحدث مختلفًا هذه المرة: (إطلاق رؤية العراق 2050 نحو التنمية والمستقبل)، وهو مشروعٌ وطنيُّ طموحٌ يرعاه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ويهدفُ إلى إعادة صياغة ملامح العراق خلال ربع قرن مقبل.
من على منصة الحفل، تحدث السوداني بثقة عن الرؤية بوصفها توجهًا وطنيًا جامعًا، لا يقتصرُ على عمل الحكومة وحدها، بل يشاركُ فيه القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والجامعات، والشباب بوصفهم محور التنمية وهدفها. وأكد السوداني أنَّ الحكومة بادرت منذ آذار 2023 بتشكيل الفريق الوطني برئاسة وزارة التخطيط وهيئة المستشارين، للعمل مع مؤسساتٍ استشاريَّة عالميَّة، في مقدمتها معهد "مكنزي"، من أجل تطوير برامج عمليَّة وحلولٍ مبتكرة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتنويع مصادره بعيدًا عن النفط.
محاور الرؤية تقومُ رؤية 2050 على مجموعة من المحاور الرئيسة: (بناءُ مجتمعٍ حيٍ منتج، واقتصاد متنوع ومستدام، وحكومة ذكيَّة رشيدة، ومكانة إقليميَّة ودوليَّة متوازنة للعراق). وقد جرى التأكيد على أنَّ هذه المحاور ستُنفذُ وفق آليات تمويلٍ طويلة الأمد، وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع اعتماد منظومات رقميَّة للمتابعة والتقييم.
السوداني شدد في كلمته على أنَّ الاعتماد الأحادي على النفط لم يعد خيارًا مقبولًا، وأنَّ التحولات العالميَّة في الطاقة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فرضت واقعًا جديدًا يجبُ التعامل معه بجرأة. وأشار إلى توقيع عقدٍ استشاري مع شركة (KBR) العالميَّة للمشروعات الضخمة، بهدف دعم مراحل التغيير والتحول الاقتصادي وفق الرؤية الجديدة.
مشروعات ستراتيجية من أبرز ما تضمنته الرؤية مشروع ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية، الذي من المتوقع أنْ يحوّل العراق إلى بوابة عبور لنحو 20 % من تجارة آسيا إلى أوربا. هذا المشروع وحده سيخلقُ مليونًا ونصف المليون فرصة عمل، ويضعُ العراق في قلب خريطة التجارة العالميَّة. إلى جانب ذلك، تتبنى الرؤية مبادراتٍ خضراء لتحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة تصلُ إلى 70 % في مجالات الغذاء والماء والطاقة، بما يسهمُ في تحقيق التنمية المستدامة.
الحضور والانطباعات الحفل لم يكن مجرد عرضٍ للأرقام والخطط، بل كان مساحة لإبراز صورة العراق الجديدة أمام المجتمع الدولي. السفراء والدبلوماسيون الحاضرون وجدوا في الحدث إشارة قويَّة إلى أنَّ العراق يستعدُّ للانتقال من دور المستهلك للموارد إلى دور المنتج والفاعل في محيطه الإقليمي والدولي. أما الأكاديميون والخبراء المحليون فقد ركزوا على أهميَّة استمراريَّة هذه الرؤية، وعدم اختزالها في دورة حكوميَّة محدودة.
بين الطموح والتحدي رؤية العراق 2050 تحملُ الكثيرَ من الطموحات، لكنَّها تواجه أيضًا تحديات التنفيذ والالتزام الطويل الأمد. فهي تستلزمُ استقرارًا سياسيًا وإداريًا، وتعاونًا وثيقًا بين الدولة والقطاع الخاص، فضلًا عن محاربة الفساد وضمان الشفافية.
مع ذلك، تبقى هذه الرؤية بمثابة رسالة أمل، ومرآة لبلد يحاول أنْ ينهض من أزماته، ويضع لنفسه مكانة في عالمٍ يتغير بسرعة. فالعراق الذي عرفته الأزمات لعقود، يريد أنْ يُعرفَ هذه المرة كبلدٍ يصنعُ المستقبل، لا أن ينتظره.