وسام مريدي
لم يعد التغير المناخي مجرد نقاشٍ بيئي في العراق، بل صارَ حقيقة ملموسة تمسُّ حياة الناس اليوميَّة؛ من شحّ المياه إلى تقلص الأراضي الزراعيَّة وارتفاع درجات الحرارة. في مواجهة هذه التحديات، تسعى الحكومة العراقيَّة إلى مقاربة عمليَّة عبر خطة استثمار مناخي وطني تغطي الفترة من 2025 إلى 2030.
ترتكز الخطة إلى خمسة مسارات: (الطاقة، الطاقة المتجددة، الزراعة، الصناعة، والمياه، إلى جانب الابتكار والإبداع)، بكلفة تقديريَّة تتراوح بين 1.3 و3.3 مليارات دولار، بدعم من صناديق المناخ الأخضر (GCF) ومؤسسة التمويل الدولية (IFC). تمثلُ هذه الخطة محاولة لإرساء توازنٍ بين متطلبات التنمية الاقتصاديَّة والتزامات العراق الدوليَّة في مواجهة تغيّر المناخ.
تحملُ خطة الاستثمار المناخي الوطني في جوهرها وعدًا بإعادة رسم ملامح العراق الأخضر من جديد، وتراهن الحكومة على أنْ تكون هذه الخطة بداية لانعطافة حقيقيَّة في مواجهة أكبر تحدٍّ يواجه البلاد اليوم. ورشة تعريفيَّة جاء الإعلان خلال ورشة عمل تعريفيَّة نظمتها الهيئة الوطنيَّة للاستثمار، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بحضور ممثلين عن بعثاتٍ دبلوماسيَّة ومنظماتٍ دوليَّة ووزارة البيئة، إلى جانب شركات استثماريَّة محليَّة وأجنبيَّة.
وأوضحت الهيئة، في بيانٍ صحفي تلقته "الشبكة العراقية"، أنَّ الورشة ركزت على التعريف بمشروع الخطة وآليات التمويل المناخي، وتبادل الخبرات مع الشركاء الدوليين بشأن أفضل الممارسات في مجال الاستثمار الأخضر.
خريطة طريق رئيس الهيئة الوطنيَّة للاستثمار، حيدر محمد مكية، أكد في كلمته خلال الورشة، التي حضرتها "الشبكة العراقية"، أنَّ "مشروع خطة الاستثمار المناخي الوطني يمثل أحد المشروعات الستراتيجيَّة التي تبنتها الحكومة لمواجهة التحديات المتزايدة للتغير المناخي." وأشار إلى أنَّ "انعكاساته أصبحت واضحة على الموارد المائيَّة والزراعيَّة والبيئة الطبيعيَّة."
وأضاف أنَّ "الهيئة، بصفتها المظلة الراعية لمبادرات الاستثمار المناخي في العراق، تسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات عبر توفير الحوافز والتسهيلات، وبناء شراكات فاعلة مع القطاع الخاص، بما يسهمُ في نقل التكنولوجيا وتطوير البنية التحتيَّة للمشروعات الخضر."
استثمارات متنامية وكشف مكية عن أنَّ حجم الاستثمارات الأجنبية في العراق "بلغ نحو (64) مليار دولار، مقابل (36.8) مليار دولار محليًا، ليصل الإجمالي إلى أكثر من (102) مليار دولار خلال عامين ونصف العام فقط. واعتبر أنَّ هذا الرقم يعكسُ ثقة المستثمرين بالسوق العراقيَّة، ويفتحُ المجالَ أمام توجيه جزءٍ كبيرٍ من هذه الاستثمارات نحو مشروعات المناخ الأخضر والطاقة المتجددة." وأشار إلى أنَّ المرحلة الأولى من الخطة (2025 – 2030) تمثل خطوة عمليَّة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مؤكدًا أنَّ "الخطة ليست مجرد وثيقة نظريَّة، بل خريطة طريق واضحة تهدفُ إلى إحداث توازنٍ في عمليَّة التنمية يخدم جميع المحافظات العراقيَّة."
التزامات دولية من جانبه، استعرض مدير محفظة المناخ والبيئة والطاقة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، مامنور رشيد، تفاصيل الخطة وآليات التمويل المناخي. وأوضح أنَّ "العراق ملتزمٌ بجملة من التعهدات الدوليَّة، منها بروتوكول مونتريال (1987) للتخلص التدريجي من المواد المستنفدة للأوزون، واتفاقيَّة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، علاوة على مشاركته في تحالف المناخ والهواء النظيف (CCAC) للحد من الملوثات القصيرة العمر مثل الميثان والكربون الأسود.".
كما شدد رشيد على "التزام العراق بإنهاء حرق الغاز المصاحب بحلول العام 2030، إلى جانب التعهدات المتعلقة بخفض انبعاث الغازات الدفيئة." مؤكدًا أنَّ "هذه الالتزامات تشكلُ أرضيَّة صلبة لجذب الاستثمارات الدوليَّة ودعم جهود التنمية المستدامة."
التحضير للمرحلة الثانية مكية عاد ليؤكد أنَّ "الهيئة شكّلت لجنة خاصَّة لمتابعة تنفيذ المرحلة الأولى ورصد المعوقات التي قد تعترضها، بينما يجري العمل حاليًا على إعداد المرحلة الثانية من الخطة (CIP / Phase 2) للفترة (2031 – 2050). وستركز هذه المرحلة على مشروعات المناخ الأخضر في قطاعات الصناعة والزراعة والنقل والطاقة، بما يتماشى مع تطلعات العراق الطويلة الأمد في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر."
عروض متخصصة وشهدت الورشة عروضًا متخصصة قدّمتها وزارة البيئة / مديرية التغيرات المناخية، تناولت آثار التغير المناخي والأولويات الوطنيَّة لمواجهته، مع التركيز على محاور التخفيف والتكيف والخسائر والأضرار. كما ناقشت أهميَّة التحول في مجال الطاقة، واستخدام المنتجات الزراعيَّة والغابات كجزءٍ من ستراتيجيات التخفيف. واختتمت الورشة أعمالها بتوصياتٍ عمليَّة أبرزها (تعزيز تنفيذ الخطة الستراتيجيَّة، وتكثيف التعاون بين الشركاء المحليين والدوليين، وعقد ورش عملٍ جديدة لحصر آليات التمويل بعد تحديد المشروعات المدرجة في المرحلة الأولى وتوزيعها بين المحافظات العراقيَّة).
أهمية اقتصادية يرى الخبير الاقتصادي د. مصطفى حنتوش، في حديثه مع "الشبكة العراقية"، أنَّ "إطلاق خطة الاستثمار المناخي الوطني يعكسُ جديَّة الحكومة العراقيَّة في مواجهة التحديات المناخيَّة، ولاسيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع مناسيب المياه وتأثيراتهما المباشرة في الأمن الغذائي. كما أنَّ الخطة تمثل فرصة اقتصاديَّة واعدة لجذب استثمارات أجنبيَّة نوعيَّة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص المحلي للمشاركة في مشروعات مستدامة توفر فرصَ عملٍ وتسهمُ في تنويع مصادر الدخل الوطني بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط."
ويضيف "وبهذا، يشكّل المشروع نقطة انطلاق جديدة للعراق نحو بناء اقتصادٍ أخضر، يعزز مكانته الدوليَّة كشريكٍ فاعلٍ في الجهود العالميَّة لمكافحة التغير المناخي، ويؤسس لمرحلة جديدة من التنمية المتوازنة والمستدامة."