أربيل: خالد فرج الله /
يتجدّد كل عام الموعد مع الفكر والحرف عبر معرض أربيل الدولي للكتاب، الذي أصبح واحدًا من أبرز الفعاليات الثقافية في العراق والمنطقة. فمنذ انطلاقته الأولى، شكّل المعرض نافذة مفتوحة على العالم، ومقصدًا للناشرين والمثقفين والقرّاء من شتى بقاع الأرض، ليتحوّل إلى ما يشبه الاحتفال الثقافي الذي يحتفي بالكلمة، ويُعيد للكتاب هيبته ومكانته. كانت فعاليات المعرض في دورته السابعة عشرة قد انطلقت في 9 نيسان الجاري، لتنتهي في 19 من الشهر ذاته، بمشاركة واسعة من دور النشر العربية والعراقية والأجنبية، تحت شعار (العالم يتكلم كوردي)، في إشارة إلى الاحتفاء باللغة الكردية ودورها الثقافي. مشاركات محلية وعربية يرى مخلص يونس، صاحب (مكتبة التفسير) في أربيل، وأحد الوجوه الحاضرة في المعرض منذ دوراته الأولْ، أن الدورة السابعة عشرة تميزت بتنوع المشاركين من دور النشر العربية، والمكتبات العراقية والكردية، ما أضفى على المعرض نكهة خاصة هذا العام. يقول: "لاحظنا تزايدًا ملحوظًا في الإقبال، ولاسيما بعد صرف الرواتب قبل العيد، وهو ما ساعد على تنشيط حركة الشراء، خصوصًا بين الموظفين." وعن أهمية المعرض يضيف أن: "هذه المنصات التفاعلية تمثل جسرًا حقيقيًا بين القارئ والمطبوع، وتسهم في ترسيخ ثقافة القراءة، ليس فقط في إقليم كردستان، بل في العراق عمومًا." موضحًا أنه: "يعرض أحدث الإصدارات، ويجمع بين لغات وثقافات متعددة، ما يخلق فسحةً من التلاحم الثقافي والتبادل المعرفي." ويختم يونس حديثه بالتأكيد على ضرورة دعم المؤسسات الثقافية، قائلًا: "القراءة هي البنية التحتية لنهضة الأمم، وبناء قدرات الشباب يبدأ من هنا، من دعم هذا القطاع الحيوي." طموحات وتطلعات أما الكاتب والحقوقي بطرس نباتي، فيسجّل ملاحظته حول تراجع المعرض من حيث الحجم والتنوع مقارنة بالدورات السابقة، إذ قال: "في السنوات الماضية، كان المعرض أكثر انفتاحًا على دور النشر المتنوعة، في حين طغى الطابع الديني على هذه الدورة." آملاً أن يشهد المعرض تطورًا في المستقبل، وأن يُنقل إلى موقع أكثر اتساعًا وحداثة، موضحًا أن المكان الحالي لم يعد يستوعب تطلعات المشاركين والزوار. ويضيف: "حين زرت معرض بغداد الدولي للكتاب العام الماضي، لاحظت اتساع المشاركة بشكل لافت، وأتمنى أن يشهد معرض أربيل نهضة مماثلة، توازي ما تحقّق هناك من تطور وتنظيم وتنوّع في الحضور والمحتوى". يتحدّث نباتي أيضًا عن تحوّل كبير طرأ على واقع النشر باللغة الكردية، فيقول: "أي فرد في أي مجتمع يحتاج إلى الكتاب بلغته الأم، لأنها اللغة الأقرب إلى روحه وعقله. في العهود السابقة، خصوصًا في ظل النظام المباد، كانت الكتب الكردية شحيحة، أما الآن، فقد غُمرت رفوف المكتبات بإصدارات متنوعة وغنية باللغة الكردية، وهذا التحول يمنحنا الأمل، ويؤكد اهتمام الكتّاب والأدباء بهويتهم الثقافية". إقبال جماهيري من جهته، يصف محمود زيادة، من (مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع)، المعرض بأنه محطة ثقافية لا تُضاهى. يقول: "منذ عام 2008، ونحن نشارك في هذا المعرض، الذي يعد من أجمل المعارض وأكثرها تنظيمًا، فيه روح ثقافية مميزة، وإقبال جماهيري لافت، خاصة من القرّاء الكرد على الكتب العربية، وتحديدًا تلك المتعلقة بالسيرة النبوية، ما يدل على عمق التفاعل الثقافي من قبل رواد المعرض في أربيل." إلى ذلك.. يؤكد مشاركون وزائرون أن معرض أربيل الدولي للكتاب تحوّل من مجرد فعالية ثقافية إلى علامة مضيئة في المشهد الثقافي العراقي، ومهرجان سنوي ينتظره العاشقون للكلمة بكل شغف. فكل كتاب يُعرض على رفوفه هو وعدٌ بمعرفة جديدة، وكل قارئ يجول بين أروقته هو مشروعُ نهضة. إنّه لقاءٌ تتقاطع فيه اللغات وتتقارب فيه الأفكار، ويتحوّل فيه الحرف إلى طاقة نور تشعّ في فضاء المدينة. كما شهدت أروقة المعرض العديد من الجلسات القراءات الشعرية والندوات الثقافية التي تناولت المسرح والأدب والسينما وشتى مجالات الثقافة.