مالك خلف وادي*
مع تسارع وتيرة التحولات التكنولوجية في العالم، بات مفهوم المدن الذكية أداة ستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز تنافسية الاقتصادات الوطنية. وفي العراق، حيث ما زالت التحديات التنموية قائمة ومعقدة، يبرز تبني هذا المفهوم كخيار حتمي لمعالجة قصور البنية التحتية، وضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، ونقص التشريعات والتمويل الموجّه نحو الابتكار. إن بناء مدن ذكية عراقية يعني إرساء نموذج جديد لإدارة الموارد وتقديم الخدمات، يقوم على التكنولوجيا والابتكار، ويهدف إلى الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. هذا التحول لن يسهم فقط في تحسين جودة الحياة للمواطنين، عبر خدمات حكومية ذكية، بل سيدعم الاقتصاد المحلي بخلق بيئة استثمارية خصبة للشركات الناشئة وجذب الاستثمارات الأجنبية. أسباب التلكؤ في التنمية المستدامة لا يمكن إغفالها، فهي تشمل غياب خطط مشتركة تربط التكنولوجيا بالتنمية، والاعتماد على بنية تحتية تقليدية، وضعف التشريعات المنظمة للتحول الرقمي. معالجة هذه الفجوات تتطلب رؤية شاملة تعزز التنسيق بين مؤسسات الدولة، وتوفر بيئة قانونية داعمة، وتمكن القطاع الخاص من لعب دوره المحوري. من هنا تبرز مجموعة مقترحات عملية؛ أبرزها إطلاق البوابة الوطنية للمدن الذكية كمنصة رقمية متكاملة لإدارة الخدمات الحكومية، وتطوير أنظمة نقل ذكية تقلل من الازدحامات والانبعاثات، إلى جانب إنشاء مدن نموذجية للتنمية المستدامة تعتمد على الطاقة النظيفة والبنية الرقمية المتطورة. كما أن تعزيز التشريعات وإطلاق برامج توعية مجتمعية يعدان ركيزتين أساسيتين في ترسيخ ثقافة المدن الذكية. إن الفرص المرتبطة بهذا التحول كبيرة، فالمشروعات الذكية قادرة على خلق آلاف فرص العمل للشباب، وتدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة في التعليم والطاقة النظيفة والحد من الفقر. إضافة إلى ذلك، فإن نجاح العراق في هذا المسار سيعزز صورته الدولية كنموذج ملهم في توظيف التكنولوجيا لخدمة المجتمع. أما على المدى القريب، فإن المرحلة الأولى يمكن أن تنطلق عبر تأسيس منتدى المدن الذكية في العراق لتبادل الخبرات وتحديد الأولويات، إلى جانب المجلس الوطني للمدن الذكية، الذي يضمن التنسيق بين الجهات المختلفة. كما أن التدريب المكثف للكوادر الوطنية والتعاون مع مؤسسات دولية، كالبنك الدولي، سيمثلان خطوات عملية لتعزيز هذا التوجه. في الختام، فإن دمج المدن الذكية في خطة التنمية الوطنية، وتقديم الحوافز للقطاع الخاص، وتعزيز التعاون الدولي، سيضمن تحقيق تحول ستراتيجي يعيد صياغة مستقبل العراق نحو الاستدامة والازدهار. فالمدن الذكية لم تعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة تنموية تضع العراق على مسار جديد يواكب طموحات أجياله القادمة.
* المدير العام لدائرة تطوير القطاع الخاص في وزارة التجارة