علي كريم إذهيب /
في ظل التحديات الاقتصادية التي مرّ بها العراق خلال العقود الأخيرة، يبرز القطاع الخاص كأحد المحركات الأساسية التي يمكن أن تعيد التوازن لعجلة الاقتصاد الوطني، فبالرغم من أن الاقتصاد العراقي ما زال يعتمد بشكل كبير على القطاع النفطي الذي يمثل نحو 90 % من إيرادات الدولة، إلا أن أهمية القطاع الخاص تتزايد يوماً بعد يوم كخيار ستراتيجي لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل القومي.
تشير تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي العراقي لا تتجاوز 40 %، وهي نسبة أقل بكثير من مثيلاتها في دول الجوار مثل الأردن أو تركيا، حيث تتجاوز في بعض الحالات 70 %. هذه الفجوة الكبيرة تكشف عن فرص ضخمة غير مستغلة يمكن للقطاع الخاص أن يسدها من خلال الاستثمار، وخلق فرص العمل، وتعزيز الإنتاجية. امتصاص البطالة بحسب وزارة التخطيط العراقية، فإن معدل البطالة بين الشباب يصل إلى أكثر من 27 %، ما يجعل من تطوير القطاع الخاص حاجة ملحة وليس خيارًا. إذ تشير التقديرات إلى أن كل 1 % زيادة في نمو القطاع الخاص يمكن أن تخلق ما يقارب 20,000 فرصة عمل جديدة سنويًا، وهو ما قد يسهم في امتصاص البطالة المتزايدة بين فئة الشباب التي تمثل أكثر من 60 % من سكان العراق. في هذا السياق، بدأت الحكومة العراقية بتنفيذ سلسلة من الإجراءات لدعم القطاع الخاص، مثل تحفيز بيئة الأعمال، وإطلاق مبادرات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتشريعات الجديدة التي تضمن الشراكة بين القطاعين العام والخاص(PPP). ومع ذلك، ما زالت هناك تحديات كبيرة، أبرزها: البيروقراطية، والفساد، وضعف البنية التحتية، وصعوبة الوصول إلى التمويل. إن مستقبل الاقتصاد العراقي يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة القطاع الخاص في النهوض بدور فاعل ومؤثر في عملية البناء الاقتصادي، خاصة في ظل التراجع المستمر لأسعار النفط عالمياً. ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى رؤية وطنية واضحة وشراكات ستراتيجية بين القطاعين العام والخاص لتأمين انتقال اقتصادي سلس أكثر تنوعاً واستقراراً. وفي ضوء ذلك عقدت وزارة التخطيط، بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المُتحدة، ورشة العمل الخاصة بتحديث ستراتيجية القطاع الخاص (2014 -2030)، وترأس الورشة المدير العام لدائرة السياسات الاقتصادية والمالية الدكتور صباح جندي منصور، الذي أوضح أن "القطاع الخاص هو ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المُستدامة، كونه يمثل شريكًا فاعلًا في بناء اقتصاد وطني متنوع وقوي." وأكد التزام اللجنة بتعزيز دور هذا القطاع من خلال تطوير رؤية واضحة ومتكاملة، تستجيب للتحديات الحالية وتستثمر الفرص المستقبلية. وقال منصور لـ(الشبكة العراقية) إن "هذه الورشة تمثل خطوة مهمة في مسار طويل يتطلب تضافر الجهود، والمشاركة الفاعلة من جميع الأطراف، منها الحكومة والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، بالإضافة إلى الشركاء الدوليين." لافتًا إلى أن "نجاح تحديث هذه الستراتيجية يعتمد على حوار شفاف، وأفكار خلاقة ورؤية مشتركة، تهدف إلى خلق بيئة اقتصادية مُحفزة، تولد فرص العمل وتعزز الابتكار والاستثمار." تعزيز الاستثمارات وأشار المدير العام إلى سعي الحكومة لدعم القطاع الخاص ليكون محركًا رئيسًا للنمو والتنمية الاقتصادية على المدى الطويل. وشهدت الورشة عروضًا، أولها عن المعالم الرئيسة في عملية تحديث ستراتيجية القطاع الخاص، قدمه رئيس قسم القطاع الخاص في دائرة السياسات الاقتصادية والمالية الدكتور عمار جعفر مهدي، الذي تحدث عن الركائز وأنشطة تنفيذها، وأولويات مشروع التحديث والإجراءات السابقة له، كذلك خريطة طريق التحديث والتنسيق المشترك مع البرنامج الانمائي للأمم المتحدة حول المشروع. أما العرض الثاني الذي قدمه خبراء برنامج الأمم المتحدة الانمائي فتناول الركائز والأهداف المُنقحة لستراتيجية تطوير القطاع الخاص، والعرض الثالث كان عن مجاميع عمل أبرز الأهداف والأنشطة والركائز الخمس، التي شملت خمس مجاميع: أولاها تحسين بيئة الأعمال. أما المجموعة الثانية فمنها: تعزيز الاستثمارات المؤثرة، وتعزيز وتطوير وحوكمة الإطار المؤسسي للقطاع الخاص، بالإضافة إلى سياسات اقتصادية كلية داعمة. والمجموعة الأخيرة والخامسة: رصد وتقييم القطاع الخاص وإدارة المخاطر. أما العرض الرابع فتناول آليات تشغيل ستراتيجية تطوير القطاع الخاص، والممارسات الدولية الفضلى لمجلس تطوير القطاع الخاص الذي قدمه خبراء برنامج الأمم المتحدة الانمائي. استدامة النمو شارك في الورشة أعضاء اللجنة، والأمين العام لمجلس تطوير القطاع الخاص محمد الهر، وأعضاء الهيأة العامة للمجلس، إضافة إلى منظمات دولية، ورؤساء الأقسام والخُبراء في الوزارة. تقول عضو مجلس تطوير القطاع الخاص في العراق سها الكفائي لـ(الشبكة العراقية): "يعمل المجلس، بالتعاون مع وزارة التخطيط وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على تحديث ستراتيجية تطوير القطاع الخاص لغاية عام 2030." وأضافت: تمخضت الورشة عن نقاش جاد حول الركائز الخمس الأساسية، التي تمثل جوهر الستراتيجية المقبلة، وهي: - تحسين بيئة الأعمال: من خلال تبسيط الإجراءات وتقوية الإطار التشريعي لجذب الاستثمار. - تعزيز الاستثمارات المؤثرة: بما يضمن تنمية حقيقية وشاملة في القطاعات ذات الأولوية. - تعزيز وتطوير وحوكمة الإطار المؤسسي للقطاع الخاص: لتمكين الشراكة الفاعلة والشفافية. - تبني سياسات اقتصاد كلي داعمة: ترتكز على استقرار الاقتصاد وتحفيز الإنتاج. - الرصد والتقييم وإدارة مخاطر القطاع الخاص: لضمان استدامة النمو وتوجيه التدخلات بفعالية. اقتصاد متوازن وأشارت الكفائي إلى أن "هناك أيمانًا مطلقًا بتحويل المجلس من هيئة مؤقتة إلى كيان دائم يسهم في ترسيخ المشاركة المؤسسية للقطاع الخاص في صنع القرار الاقتصادي، الذي يمكن البلاد من استثمار التجارب الدولية وتطبيق أفضل الممارسات بما ينسجم مع التحديات والفرص في السياق العراقي." مشيرة إلى أن "التحديث الستراتيجي يمثل خطوة نوعية نحو بناء اقتصاد متنوع ومرن، يدعم الريادة والابتكار، ويوفر فرص عمل كريمة للعراقيين." ولفتت إلى أن "العراق يمتلك رأسمالًا بشريًا شابًا وطموحًا، وأسواقًا واسعة، وموارد أولية غير مستغلة، ما يجعله مؤهلًا ليكون بيئة خصبة لنمو قطاع خاص قوي ومبتكر. لكن الطريق نحو اقتصاد متوازن وشامل يتطلب تعاونًا حقيقيًا بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لبناء اقتصاد متين ومستقبل مزدهر لجميع العراقيين". وختمت الكفائي حديثها بأن "تمكين هذا القطاع لا يعني فقط تحفيز النمو الاقتصادي، بل يشكل أيضًا حجر الأساس لتحقيق الاستقرار الاجتماعي من خلال توفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل. ولتحقيق ذلك، لا بد من إرادة سياسية واضحة، وبيئة تشريعية مرنة، وبنية تحتية متطورة تعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء".
