100%
سجى رشيد
في الأول من أيار من كل عام، يحتفل العالم بـ "اليوم العالمي للعمال"، وهو مناسبة مهمة لتسليط الضوء على أهمية العمل اللائق وحقوق العاملين. وتبرز هذه المناسبة في ظل التحولات الرقمية والاقتصادية السريعة التي يشهدها العالم، ومعها تزداد التحديات المرتبطة بفرص العمل وارتفاع معدلات البطالة بين فئة الشباب.
في هذا السياق، تتجدد الأسئلة حول مدى تناسب فرص العمل المتاحة مع مؤهلات الخريجين، وهل توجد سياسات فعّالة تضمن حق الجميع في العمل، أو أنها مجرد وعود بدون ترجمة على أرض الواقع؟
التحديات والعمل
تتزامن الذكرى السنوية ليوم العمال العالمي مع تزايد الحديث عن التحولات الاقتصادية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، التي انعكست بدورها على فرص العمل المتاحة للشباب. في ظل الاقتصاد الريعي الذي يعتمد بشكل رئيس على النفط كمصدر وحيد للموارد، يواجه العراق تحديات كبيرة في توفير فرص عمل تتماشى مع النمو السكاني وتزايد أعداد الخريجين في مختلف التخصصات. وبينما يبحث الكثير من الشباب عن وظائف حكومية مستقرة، يظل القطاع الخاص يعاني من مشكلات عديدة، أهمها ضعف البنية التحتية الاقتصادية، وشح فرص التوظيف ذات الأجور المجزية.
وفي حديث لـ "الشبكة العراقية"، قال حسن خوام، المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إن "الوزارة تعتبر اليوم العالمي للعمال فرصة لتكريم جهود موظفيها، وتعزيز القيم الأساسية للعمل النزيه، مثل الأمانة والشفافية وروح الفريق."
وأضاف خوام أن "الوزارة تسعى لتحقيق تطلعاتها من خلال خطة ستراتيجية تهدف إلى تطوير كفاءات موظفيها، بما يتناسب مع متطلبات العصر والتحولات الرقمية." وأكد أن "مكافحة البطالة وتوسيع فرص التوظيف تعد من الأولويات التي يعمل عليها البرنامج الحكومي، إذ تركز الوزارة على تأهيل الباحثين عن العمل وتقديم قروض ميسرة لتمويل مشاريع خاصة، بشرط أن تضمن هذه المشاريع تشغيل عدد من العمال وتسجيلهم ضمن نظام الضمان الاجتماعي."
أولوية وطنية
من جهة أخرى، أكد خوام على أن تمكين المرأة العاملة يعد من الأهداف الأساسية التي تعمل الوزارة على تحقيقها. وقد تجسد هذا في "قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 18 لسنة 2023"، الذي منح المرأة العاملة في القطاع الخاص امتيازات مهمة لم تكن متوفرة من قبل، بما في ذلك إجازة الأمومة، وهي حق جديد يدعم المرأة في الحفاظ على صحتها وصحة مولودها خلال فترة الحمل وما بعد الولادة.
كما يوفر القانون (والحديث للخوام) الرعاية الصحية المناسبة للنساء العاملات، ويضمن بيئة عمل آمنة، بالتنسيق مع "قانون العمل رقم 37 لسنة 2015"، إذ تلتزم الوزارة بفرض ضوابط صارمة على أصحاب العمل لحماية النساء من التحرش وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة تشجع على الاستقرار المهني والمشاركة الفاعلة في سوق العمل.
التفاعل المجتمعي
وتستمر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تقديم التوجيه والإرشاد للمرأة العراقية في مختلف القطاعات، وضرورة مشاركة النساء بشكل أكبر في سوق العمل.
كما أطلقت الوزارة منصة "مِهَن" الإلكترونية التي تتيح ربط الباحثين عن العمل مع أصحاب العمل بشكل مباشر. كذلك قدمت قروضًا ميسّرة تتراوح بين 20 إلى 50 مليون دينار عراقي لإنشاء مشروعات خاصة، بشرط أن يكون تشغيل العمال وتسجيلهم من خلال الضمان الاجتماعي. هذه المبادرات أسهمت في تشغيل أكثر من 53 ألف شخص ضمن مظلة الحماية الاجتماعية، ما يعكس الجهود المستمرة لمكافحة البطالة.
تجارب شبابية
بالإضافة إلى الإجراءات الحكومية، تبرز تجارب حية للشباب العراقي الذين يحاولون شق طريقهم في سوق العمل بالرغم من التحديات الكبيرة. فالمصورة مروة حيدر، والشاب أحمد العاني، يمثلان وجهين مختلفين، ولكن يشتركان في الأمل والطموح في تحقيق الذات.
تقول مروة حيدر: "العمل ليس مجرد مصدر دخل، بل هو وسيلة لتحقيق الذات والطموح. لطالما انتظرت لمدة عشر سنوات للحصول على وظيفة حكومية، لكنني قررت أن أخلق فرصتي بنفسي من خلال مهنة التصوير."
وتضيف "على الرغم من التحديات المجتمعية وقلة الدعم، إلا أنني واصلت العمل وبدأت بتطوير مهاراتي حتى استطعت بناء اسمي وثقة الناس في أعمالي." مشيرة الى أن تجربتها كانت غنية بالرغم من الصعوبات: "تعلمت الكثير على الصعيدين الشخصي والمهني، وأصبحت أكثر صبرًا وقدرة على إدارة الوقت، والتعامل مع الآخرين."
وتؤكد مروة أن "هناك حاجة ملحة لإصلاح نظام التوظيف ليكون أكثر عدلاً وشفافية، بما يضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص."
فجوة كبيرة
أما أحمد العاني فيقول: "كانت بدايتي مليئة بالحماس والقلق. دخلت سوق العمل من خلال تدريب غير مدفوع، ما ساعدني على بناء تجربتي. لكنني واجهت العديد من التحديات بسبب قلة الخبرة وصعوبة الحصول على فرصة عمل حقيقية دون واسطة."
ويؤكد أحمد أن "سوق العمل لا يقدّر الكفاءات بشكل كافٍ، وأن هناك فجوة كبيرة بين الطموحات وفرص التوظيف الفعلية." ومع ذلك، يرى أن "المستقبل قد يكون أفضل إذا جرى ربط التعليم بسوق العمل بشكل عملي، مع تعزيز التدريب الميداني وتقديم حوافز حقيقية للقطاع الخاص لتوظيف الشباب وتطوير مهاراتهم."