كربلاء / عبد الحسين بريسم
منذ أن تأسس نهاية عام 2013 على يد مجموعة من المصورين الكربلائيين، بينهم حكمت العياشي وفاضل المياحي وذياب الخزاعي، لم يكن الفريق الفوتوغرافي في كربلاء المقدسة مجرد ممارسة لهواية أو تجمع شبابي عابر، بل مشروع ثقافي وطني يطمح إلى صناعة أرشيف بصري حيّ يوثّق تفاصيل المدينة وملامح العراق، وينقلها بعدسة فنية تحمل في طياتها انتماءً عميقًا للأرض والإنسان. "الشبكة العراقية" رافقت أعضاء الفريق في جولة حصرية، لتقف على معالم مسيرتهم، وتكشف رؤيتهم التي مزجت بين التوثيق الفني والهوية الوطنية.
توثيق وانتماء في بلد شهد، خلال العقدين الأخيرين، تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة، برزت الحاجة إلى مبادرات تحفظ الذاكرة الجمعية من التآكل.
هنا وجد الفريق الفوتوغرافي دوره؛ إذ جمع المصورين الكربلائيين على شغف واحد: الإيمان بقوة الصورة كأداة للتوثيق، وللتغيير الاجتماعي والثقافي في آنٍ واحد. لم يتوقفوا عند حدود الهواية، بل جعلوا من التصوير مشروعًا وطنيًا متكاملاً. بعدساتهم دخلوا الأزقة القديمة، وصعدوا إلى المراقد المقدسة، وجالوا في الحقول الزراعية، والمصانع المحلية، والمواقع الأثرية المنسية، ليرسموا خريطة بصرية لكربلاء والعراق.
ومع مرور الزمن، تجاوزوا حدود مدينتهم ليصلوا إلى أربع عشرة محافظة، موثقين التنوع الجغرافي والثقافي للبلاد، فاتحين بذلك حوارًا إنسانيًا مباشرًا مع الجمهور من خلال الصور التي لم تكتف بسرد المكان، بل عكست نبض الإنسان وحكاياته. حكمت العياشي وفكرة التأسيس من هاجس شخصي لتوثيق كربلاء، كما لم تُوثّق من قبل، بزغت فكرة الفريق.
لم يكن الهدف الاقتصار على البعد الديني للمدينة، بل إظهارها كمدينة حيّة متجذّرة بالتراث والتاريخ. ومع تلاقي الرؤى، اجتمع المصورون على غاية واحدة: صناعة ذاكرة بصرية تحفظ ملامح المدن وتحولاتها. ومع توسع النشاط إلى المحافظات الأخرى، تحولت لقاءات الفريق إلى ورش مصغّرة للنقاش وتبادل النقد البنّاء، لتصبح الصورة لديهم رسالة إنسانية وتوعوية.
خبرة العياشي الصحفية منذ 2011 أسهمت في بناء منهج عمل يجمع بين المهنية والبعد الإنساني، وجعلت الفريق مرجعًا للمصورين الشباب، ووجهة للباحثين والأكاديميين في الجامعات، ليغدو المشروع مسيرة حياة تهدف إلى تعزيز الانتماء للأرض والهوية. فاضل المياحي والمهرجانات منذ بداياته، جعل الفريق من المهرجانات والمعارض منصات حيّة لأعماله.
فالصورة بالنسبة لهم لا تكتمل وهي حبيسة الأرشيف، بل حين تُعرض أمام الجمهور وتتحول إلى رسالة مباشرة. أقام الفريق معارض سلطت الضوء على السياحة والآثار في كربلاء، وأخرى وثّقت أربع عشرة محافظة في معرض مشترك أتاح للزائرين فرصة التعرّف على أماكن لم يسبق لهم أن رأوها. أما المشاركات الدولية، في إيران وفرنسا والهند ومصر، فقد مثّلت نافذة عرضت للعالم وجهًا آخر للعراق: بلد الثقافة والحضارة، لا مجرد ساحة صراعات كما تصوره الأخبار. ذياب الخزاعي والجوائز لم يكن الفريق يسعى وراء الجوائز، لكن إنجازاته لم تمر من دون تقدير.
فقد نالت أعماله أوسمة من الاتحاد الدولي لفن التصوير (FIAP)، وجوائز عربية مثل جائزة الإعلام السياحي العربي، ما منحهم دفعة معنوية لمواصلة الطريق بمشروعات أكثر طموحًا. رؤيتهم للمستقبل واضحة: تحويل الفريق إلى مؤسسة رصينة تمتلك أرشيفًا متكاملاً للصور العراقية، إصدار كتب فوتوغرافية توثق الآثار والمدن، وإقامة مشروعات تدريبية مع الجامعات والمراكز الثقافية لخلق جيل جديد من المصورين الشباب. طموحهم الأبعد أن تدخل الصورة العراقية في الحوار البصري العالمي، وأن تُعرض أعمالهم في المتاحف العالمية، لتصبح جزءًا من الإرث الإنساني المشترك.
فالصورة بالنسبة لهم ليست مجرد لقطة عابرة، بل رسالة توثيقية تحمل الهوية، وتستحضر الانتماء، وتمنح العراق وجهه الأصيل أمام العالم.
