100%
زياد جسام
تصوير / خضير العتابي
في أجواء ثقافية غلبت عليها الحوارات الفكرية وتعدد الرؤى حول قضايا الإعلام المعاصر، شهدت قاعة الفعاليات في معرض بغداد الدولي للكتاب، بدورته السادسة والعشرين، ندوة موسّعة حملت عنوان "هل تعكس مواقع التواصل الاجتماعي صورة الواقع في العراق؟"
شارك في الندوة رئيس شبكة الإعلام العراقي كريم حمادي، وأدارها رئيس تحرير "الشبكة العراقية" حليم سلمان، بحضور حشد من الصحفيين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الثقافي والإعلامي.
شكّلت الجلسة فرصة لتقليب أوراق العلاقة الملتبسة بين الإعلام التقليدي والمنصات الرقمية، وكيفية توظيفها في صناعة رأي عام أكثر وعيًا ومسؤولية.
استهل مدير الجلسة الندوة بتقديم نبذة عن مسيرة الضيف ومسؤولياته، ثم طرح عليه سؤالًا مباشرًا عن مدى انعكاس مواقع التواصل الاجتماعي على صورة الواقع العراقي. ؟ ليوضح (حمادي) قائلًا: إن "تلك المنصات لا تمثل بالضرورة نسخة مطابقة للواقع، وإنما تعكسه بدرجات متباينة وزوايا مختلفة، تبعًا لطبيعة القائمين على المحتوى.
فالكثير من الصفحات يديرها أفراد ينقلون انطباعاتهم الخاصة، فيما يرتبط بعضها الآخر بجهات حزبية أو سياسية."
وشدد حمادي على أن هذه التعددية تضع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية أمام مسؤولية مضاعفة، إذ يتعين عليهم التحقق الدقيق من الأخبار قبل نشرها، مؤكدًا أن شبكة الإعلام العراقي لا تقدم أية مادة إعلامية إلا بعد التأكد من صحتها عبر قنوات رسمية، أو وكالات أنباء موثوقة، وذلك حفاظًا على المصداقية التي يجب أن تسبق السبق الصحفي أو السعي وراء المشاهدات.
التضليل الإعلامي
انتقل رئيس الشبكة للحديث عن ظاهرة التضليل الإعلامي، مؤكدًا أنها لا تنحصر بالعراق وحده، بل باتت تحديًا عالميًا يواجه جميع المجتمعات.
وأشار إلى أن "ما يجري في غزة يقدم مثالًا واضحًا على كيفية التحكم بالمحتوى الإعلامي وتحجيم الأصوات التي لا تنسجم مع توجهات الجهات المهيمنة، وهو ما يستدعي من المؤسسات الإعلامية العمل على تنويع مصادرها وتطوير أدواتها لمواجهة هذا التحدي."
وفي سياق استعراضه للتجارب الصعبة التي مر بها الإعلام العراقي، توقف حمادي عند عام 2014 الذي شكّل منعطفًا خطيرًا حين اجتياح تنظيم داعش الإرهابي مدنًا عراقية واسعة. وروى جانبًا من تجربته الشخصية في تلك الفترة، مشيرًا إلى أن شبكة الإعلام العراقي تعاملت مع الأزمة - في وقتها- بمهنية عالية، وأسهمت مع مجموعة من الصحفيين الوطنيين في تشكيل ما يشبه "الجيش الإعلامي" لمواجهة حملات التضليل، وكشف الحقائق للرأي العام المحلي والدولي، بالتوازي مع جهود القوات المسلحة.
سنوات المواجهة
وأكد حمادي أن شبكة الإعلام العراقي لم تكن مجرد ناقل للأحداث، بل دفعت ثمنًا باهظًا تمثل باستشهاد أكثر من سبعين صحفيًا خلال سنوات المواجهة مع الإرهاب، ليصبح هذا الإرث من التضحيات شاهدًا على عمق التزامها الوطني، ومدرسة إعلامية خرجت أجيالًا من الكفاءات التي رفدت المشهد الإعلامي العراقي والعربي.
وبعد سؤال مدير الجلسة عن أهمية استثمار الطاقات الشابة في تطوير المحتوى الإعلامي الرقمي، أجاب حمادي: "الجيل الجديد يتفاعل مع المنصات الرقمية بصورة أكبر بكثير من متابعته التلفاز التقليدي.
ومن هنا تأتي ضرورة توجيه هذه الطاقات لإنتاج محتوى يرسخ القيم الإيجابية، ويعكس منجزات العراق في مجالات الثقافة والرياضة والعلوم، ويسهم في تعزيز صورة البلد، بعيدًا عن الصور النمطية السلبية."
وأنهى رئيس الشبكة حمادي حديثه بالتأكيد على أن "العراق يتميز بمساحة أوسع من حرية التعبير، قياسًا بعدد من الدول المجاورة، غير أن هذه الحرية لا بد أن تقترن بمسؤولية إعلامية وأخلاقية لضمان تقديم خطاب متوازن، يبتعد عن التضليل والمبالغة، ويعكس الواقع بمصداقية وعدالة." كما جرى الحديث عن موضوع مهم وهو "المحتوى الهابط"، إذ قال حمادي: "ستقف شبكة الإعلام العراقي كالمتصدي الأول، وهي قائد الجيش الذي يحارب المحتوى الهابط ويقدم المحتوى الإيجابي."
حوار مفتوح
شهدت الندوة، في ختامها، مداخلات من الحضور، ركزت على ضرورة الارتقاء بالخطاب الإعلامي العراقي، ومواكبة التطور التكنولوجي، وتوسيع دور شبكة الإعلام في تمكين الشباب وتبني المبادرات الرقمية الرصينة. وقد اتفق الجميع على أن الإعلام، سواء التقليدي أو الرقمي، يظل أداة مركزية في تشكيل الرأي العام وحماية المجتمع من الانزلاق نحو التضليل أو الإقصاء.
بهذا، مثّلت الجلسة إحدى أبرز فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب، ليس فقط لما طرحته من رؤى نقدية وتحليلية حول الإعلام الرقمي، بل بما أكدت عليه من قيمة الإعلام المسؤول كصوت للوطن وحارس للحقيقة.
وفي ختام الندوة جرى تكريم رئيس شبكة الإعلام العراقي بدرع التميز من قبل اللجنة التحضيرية لمعرض بغداد الدولي للكتاب.