زياد جسام
الثالث من تشرين الاول يمثل لحظة مهمة في تاريخ العراق، إذ يستعيد العراقيون فيه معنى الانتماء، وصورة الوطن الأوسع من الحدود. هو اليوم الذي ارتبط بإعلان استقلال العراق عن الانتداب البريطاني، وانضمامه الى عصبة الأمم عام 1932، ليكون أول بلد عربي يحجز مكانه بين دول العالم المستقلة. ومع أن هذا الحدث ظل غائبًا عن الذاكرة الرسمية لعقود، إلا أن حضوره عاد بعد أن صوت مجلس النواب، في عام 2020، على جعل الثالث من تشرين الأول عيدًا وطنيًا، ليغدو مناسبة جامعة تحتفي بالسيادة وتجدد الفخر بالهوية العراقية. وقد وجهت رئاسة الوزراء، بإعلان مظاهر الاحتفالات الوطنية بالمناسبة، ورفع العلم العراقي، في الأماكن العامة، وإقامة الاحتفالات داخل العراق وخارجه.
هكذا يصبح اليوم الوطني لحظة للوعي الجمعي، تحتفي بالماضي وتستشرف المستقبل، وتعيد صياغة العلاقة بين المواطن وأرضه، بوصفها علاقة فخر وإبداع وتجدد دائم، وأيضًا يجسد هذا اليوم فخر العراقيين بتاريخهم العريق، وحضارتهم التي تمتد إلى آلاف السنين، ويعزز روح الوحدة الوطنية والانتماء لهذا الوطن، ويمثل لحظة ثقافية وحياتية، تتشابك فيها الثقافة والفنون والرياضة والرموز لتقدم صورة بلد يريد أن يحتفي بذاته. أمسيات فنية
البرنامج الذي اعُد لهذه المناسبة في هذا العام، كما صرح لنا رئيس لجنة الاحتفال باليوم الوطني، مستشار رئيس الوزراء، الدكتور عارف الساعدي، يتسع لأكثر من لون، ليشمل الثقافة والفن والرياضة والرمزية الوطنية والفضاء الرقمي. ففي ساحة الاحتفالات الكبرى، وهو المكان الذي شهد - عبر عقود- أحداثًا ومناسبات مهمة في تاريخ العراق، ستعلو الأصوات الغنائية في أمسيات فنية يشارك فيها فنانون عراقيون، بينهم الفنان حاتم العراقي، وهنا، تتحول الموسيقى إلى فعل ثقافي جامع، وإلى ذاكرة جمعية تغني للوطن، من باب التطلع إلى المستقبل، فالأغنية الوطنية، في هذه اللحظة، تستعيد مكانتها كصوت يلم الشمل على كلمة العراق. ماراثون العراق
إلى جانب الغناء، سيكون للرياضة دورها، فهناك ماراثون واسع سيشارك فيه الآلاف من مختلف الأعمار والخلفيات، ليس الامر مجرد سباق للركض، بل مشهد رمزي لعراق يتحرك إلى الأمام، يركض بشبابه وأطفاله ونسائه ورجاله، نحو أفق أكثر اتساعًا، والجوائز التي ستمنح للفائزين فيه تضيف إلى الحدث بعدًا تحفيزيًا، مع الاحتفاظ بالمعنى الحقيقي لهذا الماراثون، فالقيمة الحقيقية تكمن في الصورة الحضارية التي يرسمها المشاركون، وفي الطاقة الإيجابية التي تفيض بها الشوارع. وفي لحظة عالية الرمزية، سيرتفع العلم العراقي على أكبر سارية في البلاد، وهذا المشهد، بما يحمله من دلالات، يتجاوز المراسم التقليدية، ليصبح اعلانًا عن وحدة وطنية تحت راية واحدة، فالعلم هنا ليس مجرد رمز سيادي، بل هو صورة مكثفة عن البيت الكبير الذي يتسع للجميع، ليرسخ مشهد الايادي المرفوعة، والأعين المتجهة نحو السماء، وسيبقى هذا المشهد عالقًا في الذاكرة، كاحتفال بالهوية التي تجمع العراقيين، بالرغم من اختلافاتهم.
هاشتاك للوطن الاحتفال بحسب (الساعدي) لن يقتصر على الفضاء العام، بل يمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية. فقد وجهت رئاسة الوزراء جميع دوائر الدولة بأن تدرج عبارات خاصة باليوم الوطني في الأوراق الرسمية، لتصبح المناسبة جزءًا من المراسلات والمعاملات والوثائق التي يتعامل معها المواطن يوميًا، وهي إشارة إلى أن الوطن لن يظل حاضرًا في المناسبات الكبرى فقط، بل في كل تفصيلة صغيرة من تفاصيل العيش المشترك. وفي عصر التواصل الرقمي، لا يمكن لأي حدث وطني أن يكتمل من دون فضاء إلكتروني يوازيه، لذلك أطلقت اللجنة المنظمة (هاشتاك) وطنيًا موحدًا، دعي إليه المدونون وأصحاب المحتوى الهادف، ليشاركوا في صناعة خطاب وطني رقمي يعكس صورة العراق للعالم. هنا، يصبح التفاعل الافتراضي امتدادًا للحدث الواقعي، وتغدو الكلمات والصور والمقاطع القصيرة جزءًا من أرشيف الاحتفال، كما هي الأغاني والسباقات ورفع العلم.
فرح جمعي ما يميز العيد الوطني لهذا العام هو أنه لا يكتفي بالاستعادة الرمزية، بل يقدم نفسه كفعل حي للحياة، فهو مساحة للفرح الجمعي، وفرصة لرؤية العراق في صور متعددة. العيد الوطني العراقي ليس يومًا للتأمل في الماضي وحده، ولا مناسبة للاحتفاء بالمراسم الشكلية، بل هو دعوة للتفكير في المستقبل بروح منفتحة. يوم يقول فيه العراقيون لأنفسهم وللعالم.. نحن هنا، نحتفل بهويتنا، ونجدد عهدنا بأن يبقى العراق، بكل تنوعه واتساعه، وطنًا قادرًا على الفرح، مهما ثقلت التحديات.