100%
زياد العاني
تصوير / حسين طالب
انطلقت قبل أيام، في قلب مدينة الصدر، فعاليات مهرجان الكتاب الثاني، الذي حمل اسم دورة الشاعر الراحل جبار رشيد، ليجسد الاحتفاء بالأدب والمعرفة، ومحاولة جادة لترسيخ ثقافة القراءة وتشجيع الإبداع الأدبي، فضلًا عن تعزيز التواصل المباشر بين المبدعين والجمهور. المهرجان أقيم وسط أجواء احتفالية عكست شغف ابناء المدينة بالكتاب والكلمة الجميلة، وتحول الى مساحة عامة مفتوحة للنقاش والحوار وتبادل الأفكار.
شهدت ساحة مظفر، وهي من أبرز ساحات مدينة الصدر، انطلاق الفعاليات بمشاركة وحضور رفيع المستوى، حيث حضر وزير الشباب والرياضة أحمد المبرقع، ووزير الثقافة الأسبق الأستاذ مفيد الجزائري، ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية ورئيس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب د. عارف الساعدي، إلى جانب نخبة من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، إضافة إلى جمهور واسع من أبناء المدينة الذين التفوا حول الأجنحة والأنشطة المصاحبة بروح من الشغف والتفاعل.
دعم وتنظيم
المهرجان نظّمه (منتدى الركن المعرفي)، بدعم من وزارة الشباب والرياضة، واتحاد الشبيبة الديمقراطي، ومديرية الشباب والرياضة، إلى جانب مركز الرشيد الثقافي، ومؤسسة المدى، ومركز الرواق بغداد، ومنظمة أيقونة الإنسانية، ودار الشؤون الثقافية. وقد ضم برنامج المهرجان معارض للكتاب، وعروضًا موسيقية وفنية، وفقرات شعرية، إضافة إلى معارض فن تشكيلي وصور فوتوغرافية، فضلًا عن جلسات حوارية عميقة تناولت دور الثقافة في مواجهة التحديات الاجتماعية والفكرية.
اللجنة المنظمة أكدت أن المهرجان يسعى إلى جعل الكتاب قريبًا من الناس، وإعادة الثقة بالثقافة كقيمة أساسية في المجتمع، خاصة في مدينة كبيرة مثل مدينة الصدر، التي أنجبت اجيالًا من المبدعين والشعراء، الذين تركوا بصمة واضحة في الذاكرة العراقية. مشيرين الى أن استذكار الشاعر جبار رشيد جاء وفاءً لرمز ثقافي أثرى المشهد الشعري وأسهم في تكريس قيم الجمال والإبداع.
الثقافة في القلب
في كلمته، أشار د. عارف الساعدي إلى أن المهرجان يمثل خطوة حقيقية لإعادة الاعتبار لدور الثقافة في الأحياء الشعبية، مؤكدًا ان مدينة الصدر ليست مجرد مكان مكتظ بالمعاناة اليومية، بل فضاء واسع قادر على إنتاج الأدب والفن والوعي. وخلال حوار أدارته الإعلامية والروائية جمانة ممتاز، تحدث الساعدي عن ذاكرة مدينة الثورة وأثرها في تكوينه الشعري، مستعيدًا اسماء شعراء مؤسسين تركوا أثرًا كبيرًا في المشهد الثقافي العراقي، كما تناول تأثير التكنولوجيا الحديثة على الشعر والحياة اليومية، مبرزًا أن جوهر الشعر يظل متوهجًا مهما تغيرت الأدوات.
شهادات وانطباعات
من جانبه، عبّر الأستاذ مفيد الجزائري عن إعجابه بالمهرجان قائلًا: "ما أعجبني أنه انطلق في مكان عام وتحت سماء مفتوحة، ما جذب أعدادًا كبيرة من أبناء مدينة الصدر، شيبًا وشبابًا، رجالًا ونساءً. هذا الحضور المذهل أعطاني احساسًا بعطش الناس لمثل هذه الفعاليات الثقافية، واقترح أن يتحول المهرجان إلى طقس أسبوعي دائم يروي شغف الناس بالثقافة والفكر."
أما الإعلامية والروائية جمانة ممتاز، فقد أعربت عن سعادتها بالمشاركة في الحوار الثقافي قائلة: "هذا الحدث ليس غريبًا على مدينة أنجبت مفكرين ومثقفين وشعراء كبارًا تركوا بصمة في التاريخ العراقي. أتمنى أن تتوسع النسخة المقبلة من المهرجان لتشمل مزيدًا من الجلسات والشخصيات الثقافية، وهو ما يتطلب دعماً ورعاية أوسع."
تظاهرة ثقافية
لا شك في أن مهرجان الكتاب الثاني في مدينة الصدر شكل تظاهرة ثقافية مهمة أعادت الاعتبار للكتاب، وأكدت أن الثقافة قادرة على مد الجسور بين الأجيال. وبينما حملت دورة هذا العام اسم الشاعر جبار رشيد، تخليدًا لذكراه، كأحد رموز مدينة الصدر الأدبية، فإنها حملت أيضًا رسالة أمل بأن تبقى مدينة الصدر منبرًا يصدح بالأدب والفن والإبداع.
كما شهد المهرجان فعاليات متنوعة أضفت عليه بعدًا ثقافيًا أعمق، من بينها جلسة حوارية شارك فيها الباحث حسين سعدون، والإعلامية وسن الربيعي، تناولت قضايا الثقافة ودورها في بناء الوعي المجتمعي، إضافة إلى محاور تتعلق بأهمية الكتاب كأداة للتغيير.
كذلك شهدت الاحتفالية عرض مسرحية حملت عنوان (من لا يقرأ لا يرى)، تمثيل مصطفى الطيب وحسين طلال، وكان هذا العمل المسرحي نافذة تطل على أهمية القراءة ودورها في تنوير العقول ومواجهة الظلام، حيث تحولت الخشبة إلى رسالة واضحة مفادها أن الكتاب هو البصر والبصيرة.
كما جرى تكريم نخبة من أبناء مدينة الصدر بدرع الإبداع، تقديرًا لعطائهم الثقافي ودورهم المؤثر في الساحتين الأدبية والإعلامية. ومن بين المكرّمين الكاتب والإعلامي والناشط شمخي جبر، الذي عُرف بجهوده في الدفاع عن حرية التعبير وتعزيز قيم الثقافة، إلى جانب الأديب والكاتب العراقي عبد الستار البيضاني، بوصفه واحدًا من ابرز الأقلام المبدعة في الوسط الأدبي العراقي، بما يمتلكه من رصيد غني من الأعمال المتنوعة في مجالات الرواية والقصة، فضلًا عن إسهاماته الصحفية والتلفزيونية التي تركت أثرًا واضحًا في المشهد الثقافي العراقي.