مالك خلف وادي*
تُعد المشاريع الصغيرة والمتوسطة الركيزة الأساسية لأي اقتصاد يسعى إلى التنوع والاستدامة. فهي ليست مجرد وحدات إنتاجية توفر فرص العمل، بل تمثل محركًا حقيقيًا للنمو، ووسيلة لتمكين فئات واسعة من المجتمع، خصوصًا الشباب والنساء، من دخول سوق العمل بفاعلية. غير أن هذه المشروعات في العراق واجهت -على مدى سنوات- تحديات معقدة، في مقدمتها صعوبة إجراءات التسجيل وضعف وضوح المسارات الرسمية، ما جعل العديد منها يعمل خارج الإطار القانوني والاقتصاد الرسمي. وانطلاقًا من إدراكنا أهمية معالجة هذه التحديات، شرعت دائرة تطوير القطاع الخاص، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، في إعداد دليل تسجيل الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة في العراق. وقد استغرق هذا الجهد عامًا كاملًا من العمل التشاركي مع الوزارات والمؤسسات الوطنية ذات العلاقة، ما أتاح صياغة مرجع عملي مبسط يوجّه رواد الأعمال بوضوح نحو الإجراءات المطلوبة للانضمام إلى الاقتصاد الرسمي. لم يكن إعداد هذا الدليل مجرد جمع لتعليمات أو تبويب للإجراءات، بل عملية جمعية حرصنا فيها على الاستماع إلى مختلف الجهات المعنية، واستيعاب ملاحظاتها ومتطلباتها. والنتيجة جاءت وثيقة تعكس رؤية مشتركة وتستجيب للتحديات الواقعية على الأرض، لتتحول إلى أداة عملية تسهّل على أصحاب المشاريع الدخول إلى السوق النظامي بثقة ويسر. ولأن تحسين بيئة الأعمال يتجاوز الأدلة الإرشادية، فقد أعددنا ورقة استرشادية مرافقة تتضمن مقترحات لتبسيط الإجراءات الإدارية وتذليل العقبات البيروقراطية. ومن المقرر أن تُعرض هذه الورقة قريبًا على مجلس الوزراء لاعتمادها رسميًا، بما يفتح المجال لتحويل المقترحات إلى قرارات تنفيذية مؤثرة. إن هذه المبادرة تمثل نموذجًا ناجحًا للشراكة بين الحكومة العراقية ومنظمة العمل الدولية، بما يضمن انسجام المخرجات مع المعايير الدولية من جهة، ومراعاتها خصوصية الواقع العراقي من جهة أخرى. كما تقدم تجربة يمكن البناء عليها لتطوير مبادرات إصلاحية أخرى في بيئة الأعمال والقطاعات الاقتصادية المختلفة. دائرة تطوير القطاع الخاص في وزارة التجارة ملتزمة بدعم وتعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها ركيزة أساسية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. ونحن نؤمن بأن نجاح هذه المشروعات يسهم في بناء اقتصاد أكثر توازنًا وقدرة على مواجهة التحديات. في النهاية، يمثل هذا الدليل خطوة أولى على طريق إصلاح بيئة الأعمال في العراق. فهو ليس غاية بحد ذاته، بل بداية لمسار إصلاحي متكامل يهدف إلى تمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أداء دورها الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
* المدير العام لدائرة تطوير القطاع الخاص في وزارة التجارة