AI بين وعود التكنولوجيا وأسئلة الأخلاق

ضحى العنزي في عالم يتغير بسرعة فائقة، يقف الذكاء الاصطناعي في قلب الثورة التكنولوجية، إذ تتسابق الدول والشركات في تطوير أنظمة قادرة على التفكير، والتعلم، واتخاذ القرارات، ما يثير حماسة بعضهم وقلق بعض آخر. بين من يرى فيه مفتاحًا لعصر ذهبي جديد، ومن يُحذّر من تبعاته، تدور نقاشات حيوية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي. وفي هذا التحقيق، نستعرض آراء عدد من المتخصصين، لنرسم صورة متوازنة عن هذه التقنية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حاضرنا ومستقبلنا. مهام معقدة في معهد أبحاث التكنولوجيا الحديثة، التقينا المهندس أكرم العلي، الباحث في نظم الذكاء الاصطناعي منذ أكثر من عشر سنوات، يقول (العلي): "ما نراه اليوم ما هو إلا بداية لما يمكن أن تفعله هذه التقنية، فالذكاء الاصطناعي يُغيّر طريقة عملنا وتفكيرنا، وربما حتى مفهومنا عن الإنسان نفسه." مشيرًا إلى كيفية وقدرة الذكاء الاصطناعي، الذي بات قادرًا على أداء مهام معقدة، مثل تشخيص الأمراض أو التنبؤ بالحالات الجوية أو تحليل السوق المالية بدقة تفوق الإنسان في بعض الأحيان. ويضيف: "لدينا اليوم أنظمة قادرة على التعلم من أخطائها، وهذه الأنظمة لا تتبع تعليمات جامدة، بل تتطور مع الوقت، وهذا ما يجعلها مختلفة عن أي تقنية أخرى عرفناها." فجوات اجتماعية لكن مع هذا التطور المثير، هناك أصوات تُحذّر من الانبهار الزائد دون مساءلة أخلاقية. في هذا السياق، تواصلنا مع الدكتورة سعاد نوفل، الباحثة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بجامعة بيروت، التي شددت على أن "الذكاء الاصطناعي ليس محايدًا كما يبدو"، وأن "الخوارزميات تُصمَّم من قِبل البشر، وتحمل في طياتها تحيّزاتهم، حتى لو لم يقصدوا ذلك." منوهةً بضرورة وضع ضوابط، وإلا فإن الخطر لا يكمن فقط في فقدان الوظائف، بل في تعزيز الفجوات الاجتماعية والتمييز. وتلفت الدكتورة (نوفل) النظر إلى نقطة حرجة: "من يملك الذكاء الاصطناعي؟ ومن يحق له أن يقرّر كيف يُستخدم؟" وهي أسئلة بحسبها، يجب أن تُطرح قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة. سوق العمل من جهة أخرى، يتحدث الأستاذ إبراهيم منصور، خبير اقتصادي، عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل قائلًا: "علينا أن نكون واقعيين، نعم هناك وظائف ستختفي، خاصة الوظائف الروتينية، لكن في المقابل هناك وظائف جديدة ستُخلق، والمشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي، بل في مدى استعدادنا كدول ومجتمعات لهذا التحول." ويرى (منصور) أن التحدي الأكبر يكمن في إعادة تأهيل القوى العاملة، مضيفًا: "يجب أن نتحول من تعليم التلقين إلى تعليم المهارات." مشددًا على أهمية الأخذ بعين الإعتبار أن "الأنظمة التعليمية التقليدية سوف لن تنجح في عصر الآلة الذكية." تشكيل العالم تأكيدًا لهذا الجانب، تضيف المهندسة ندى القيسي، مطوّرة أنظمة تعليم ذكية، أن مستقبل التعليم يجب تغييره جذريًا، إذ قالت: "لا يمكن أن نُدرّس الأطفال بالطريقة التي تعلّمنا بها، فنحن اليوم بحاجة لمناهج تُنمي الإبداع، والتفكير النقدي، والمرونة، وهي مهارات لا تستطيع الآلة منافسة الإنسان فيها بسهولة." كل هذه الآراء تتقاطع عند نقطة واحدة تهيمن عليها فكرة مفادها أن الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا للمستقبل، بل هو واقع نعيشه الآن، والخطر لا يكمن فيه، بل في كيفية تعاملنا معه.. وبين حماسة الباحثين وقلق الأخلاقيين، يقف الذكاء الاصطناعي كتقنية قادرة على إعادة تشكيل العالم. ولكن، كما قال أحد المتخصصين: "الذكاء الاصطناعي لا يملك نوايا، بل نحن من نحدد اتجاهه." ولهذا، فإن مستقبل هذه التقنية لا يُحدّد في المختبرات فقط، بل في السياسات، والتعليم، والوعي الجمعي. المطلوب اليوم ليس أن نوقف الذكاء الاصطناعي، بل أن نَفهَمه ونَضع له إطارًا يُحافظ على الإنسان كقيمة، وليس فقط ككائن مُنتج.