أحمد عبد ربه /
يشهد سوق النفط العالمي تحولات جذرية خلال العام الحالي 2025، إذ دخل تحالف أوبك+ مرحلة جديدة من التوازن الدقيق بين رفع الإنتاج واستقرار الأسعار. وفي قلب هذه التحولات، يقف العراق، أحد أكبر المنتجين في التحالف، مستعدًا لإطلاق حقبة جديدة من الإنتاج النفطي، بعدما أعلن عن رفع إنتاجه إلى 4.22 مليون برميل يوميًا، ابتداءً من أيلول المقبل، بالتزامن مع خطة طموح لتطوير 15 حقلًا نفطيًا دفعة واحدة. هذه الخطوة لا تُعد مجرد زيادة رقمية في الإنتاج، بل تمثل ستراتيجية متكاملة تسعى بغداد من خلالها لاستعادة مكانتها، كأحد اللاعبين الرئيسين في سوق النفط العالمي، بعد سنوات من التخفيضات الطوعية التي فرضتها أوبك لدعم الأسعار وموازنة السوق، التي حدت من طموحات العراق في تحقيق نمو نفطي ملموس. طموحات متجددة يمتلك العراق قدرات إنتاجية ضخمة تفوق الخمسة ملايين برميل يوميًا. ومع ذلك، عانى العراق خلال عامي 2023 و2024 من تأثير التخفيضات التي جرى الاتفاق عليها دوليًا، ما قلّص حصته السوقية وأثر على إيراداته. الآن، مع رفع سقف الإنتاج تدريجيًا، يتجه العراق نحو استعادة توازنه النفطي واستعادة الدور الذي كان يشغله في الأسواق العالمية. في هذا السياق، يقول الخبير النفطي حمزة الجواهري، في تصريح خاص لـ "الشبكة العراقية"، إن "الزيادة المقررة في إنتاج العراق لا تشكل طفرة حقيقية في الوقت الراهن، إذ إنها قليلة مقارنة بالإمكانات الهائلة التي يمتلكها البلد، لكنها خطوة ستراتيجية محسوبة تضع العراق على طريق استعادة حصته السوقية بشكل تدريجي ومتوازن." يضيف الجواهري أن "ما يجعل الوضع مميزًا هو العمل المتزامن على تطوير 15 حقلًا نفطيًا دفعة واحدة، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ النفط العراقي. هذه الحقول ستشكل قفزة نوعية في حجم الإنتاج خلال السنوات المقبلة، لكنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة وبنية تحتية قوية." ويرى الجواهري أن التحدي الأكبر يكمن في تقلبات السوق العالمي، فيقول: "السوق لا يخلو من المخاطر، إذ يتأثر الطلب على النفط بعوامل جيوسياسية واقتصادية، ما يجعل إدارة خطة الإنتاج تحتاج إلى حذر ودقة لحماية العائدات المالية للبلد." لحظة مفصلية الخبير الاقتصادي صفوان قصي يصف هذه المرحلة بأنها "حاسمة" لإعادة ضبط إنتاج النفط العراقي وتعظيم العوائد المالية منه. في حديثه لـ "الشبكة العراقية" أوضح: أن "عودة العراق للإنتاج الكامل يعني فتح أبواب استثمار جديدة على نطاق واسع، فتكاليف استخراج النفط في العراق من بين الأدنى عالميًا، وهذا يمنحه ميزة تنافسية كبرى تجذب المستثمرين والشركات العالمية الباحثة عن فرص نمو مضمونة." ويضيف: "مع هذه التكلفة المنخفضة، يمكن للعراق تعويض أي هبوط في الأسعار من خلال زيادة الإنتاج، وهو ما يمثل ستراتيجية ذكية في سوق يعاني من تقلبات مستمرة." ويؤكد قصي أن العراق وأوبك يحاولان الحفاظ على توازن دقيق بين زيادة الإنتاج ودعم الأسعار، خصوصًا مع المخاوف من تأثيرات الانكماش الاقتصادي العالمي على الطلب، مشيرًا إلى أن "تطوير الحقول الجديدة ذات الاحتياطيات الضخمة يجعل العراق لاعبًا مؤثرًا في موازين السوق مستقبلًا، ما سوف يعزز قدرته على التأثير في الأسعار العالمية." استعادة النفوذ على الصعيد الدولي، شهد اجتماع أوبك+ في أيلول 2025 توافقًا على زيادة الإنتاج الإجمالي للتحالف بمقدار 548 ألف برميل يوميًا، في خطوة تهدف إلى استعادة الحصص السوقية تدريجيًا بعد خفض استمر عامين لدعم الأسعار. هذه الزيادة تأتي في سياق رغبة الدول المنتجة في استعادة نفوذها ضمن السوق العالمي وسط تحسن في الطلب على النفط، بعد سنوات من التخفيضات التي هدفت لدعم الأسعار. مع ذلك، تحذر تحليلات اقتصادية من احتمال تشكل فائض في المعروض بداية من تشرين الأول / أكتوبر، ما قد يضغط على الأسعار ويضع أوبك+ أمام تحديات جديدة في موازنة العرض والطلب.