كنزٌ ثقافي للكرملي محتجز في القاهرة لا مُساعِد على إنقاذ معجم (المُساعِد)؟

ثقافية

كنزٌ ثقافي للكرملي محتجز في القاهرة لا مُساعِد على إنقاذ معجم (المُساعِد)؟
100%
حسين محمد عجيل في مطالعِ العصرِ الحديثِ جاءت أوّلُ مساهمةٍ عراقيّةٍ لوضعِ مُعجمٍ لُغويٍّ على يد العَلّامةِ الأب أنستاسَ الكرمليِّ- الّذي حَلَّتْ يوم 5 آب الجاري الذِّكرى 159 لولادته- بوضعِهِ مُعجمه (المُساعِد)، الذي قضى في كتابته أكثر من ستّةِ عُقُودٍ، بمُعتَكَفِه في كنيسةِ اللّاتين بجوار سوق الشُّوْرجة. فقد شَرَعَ فيه سنةَ 1883م وكان عمره 17 عامًا، ولم يتوقّف عن الإضافة عليه حتّى رحيله صبيحةَ 7 كانون الثّاني 1947م. ومن المُؤلِمِ أنّ النُّسخةَ الخطّيّةَ المُحقّقةَ من هذا الكنزِ الثّقافيِّ مُحتجزةٌ الآن في مقرٍّ لدار نشرٍ بالقاهرةِ مُنذ سنة 2010م، ولم تستجب الجهاتُ الثّقافيّةُ الرّسميّةُ ببغدادَ- من أسفٍ- على نحوٍ جِدّيٍ وفعّالٍ وذي أَثَرٍ لنداءاتي ونُخبةٍ من المُثقّفين، ولكتاباتي المُتكرّرة لأجل إنقاذ نُسخةِ تحقيقِه الوحيدةِ المُعرّضةِ للفُقدانِ بعد رحيل مُعظم مُحقِّقيه. تأليف المعجم لقد كافح الكرمليُّ مُستنفِرا كُلَّ معارفِه واللُّغاتِ المُتعدِّدةِ الشرقيّةِ والغربيّةِ التي يُجيدها، لإعادة إحياءِ العربيةِ كي تعودَ لُغةَ حياةٍ وعلمٍ وحضارةٍ كما كانت. وكان هذا المُعجمُ النّفيسُ شدَّني من بين مُصنّفاتِ الكرمليِّ، لأنّه يُمثِّلُ مُساهمةً عربيّةً مُبكِّرةً تظهَرُ فيها أُولى ملامحِ المُعجمِ التّاريخيِّ لظُهُورِ الألفاظِ وتطوُّرِ دلالاتها بأدلَّةٍ نصِّيّةٍ مُقتبسةٍ من مصادرَ شتّى مخطوطةٍ ومطبوعةٍ ومسموعةٍ، وما كان أحوجَ العربيّةَ إلى مثلِ هذا المُعجمِ لو كان نُشِرَ في حياةِ مُصنِّفِه، بعد أن انشغلَ بجَمْعِ موادِّه والتّنقيبِ المُضني عن مُفرداته، ثُمّ شَرْحِها وتصنيفِها وتبويبِها، مُستدرِكًا على ما فاتَ أصحابَ المعاجمِ القديمةِ والحديثةِ تناوُلَه من ألفاظٍ ومُصطلحاتٍ وتعابيرَ أصيلةٍ أو مُولَّدةٍ، فغدا أهمَّ وأضخمَ ما أنجزَهُ من أعمالٍ رياديّةٍ، إذ تقعُ نُسخةُ الكتابِ الأصليّةُ المُدوَّنةُ بقلمِه- والمحفوظةُ اليومَ في دَيْرِ الآباء الكرمليِّين ببغدادَ- في خمسةِ مُجلَّداتٍ مجموعُ صفحاتِها (3198 صفحةً). تحقيق وتدقيق لم يُطبَعْ من المُعجَم سوى قِسمينِ فقط، صدرا ببغدادَ سنةَ 1972 و1976م، بتحقيق كوركيس عَوّاد وعبد الحميد العَلَوْجي، وضمّا حرفَ الهمزةِ والألفِ وبعضَ حرفِ الباء. ثُمَّ عكفَ على إنجازِ تحقيقه كاملًا، على مدى 15 عامًا، الصّديقُ المُحقِّقُ الرّاِحلُ حِكمت رَحْماني، بإسهامٍ مُتفاوتٍ الحجم والمُدّةِ والقيمةِ من نُخبةِ مُحقّقين رحلوا عن دُنيانا تِباعًا، هم الأساتذةُ: د. عناد غزوان، د. نعمة رحيم العَزّاوي، د. خليل العطية، وهلال ناجي، وكان معهم الدّكتور طارق الجَنابيُّ مَتَّعه اللهُ بالصِّحِة، في مشروعٍ كبيرٍ أُبرِمَ بعقدٍ رسميٍّ سنةَ 1995م، طَرَفُه الأوّلُ دَيْرُ الآباء الكرمليّينَ، وطَرَفُه الثّاني النّاشرُ العراقيُّ الدّكتور صاحب الزُّبيديُّ الّذي كان يُدير مكتبةَ دار العُلُوم ببغدادَ (ثُمَّ أنشأ فيما بعدُ دارَ دجلةَ للنَّشْرِ والتّوزيع في بغدادَ وعَمّانَ). على أن يتولّى الطّرفُ الثّاني تمويلَ مشروع تحقيق المُعجم وتوفيرَ مُمكناته كافّةً، وتنسيقَ عملِ المُحقّقين، ثُمَّ يتولّى طَبْعَه وتوزيعَه بعد إنجازِ مراحل التّحقيق والتّدقيق. تعثر النشر في معرضِ أربيلَ الدَّوليِّ للكتاب سنةَ 2010م، وبعد التّنسيقِ مع الدّكتور الزُّبيديِّ، سلَّمَ المرحومُ رَحْماني أُصُولَ نُسخةِ التّحقيقِ الخطِّيّةِ المُنجَزةِ والمُدوَّنةِ بقلمِه- وقوامُها (26) سِجلًّا كبيرًا- إلى مُوفَدِ (مُؤسَّسة المُختار للنَّشْرِ والطِّباعة والتَّوزيع) ومقرّها بالقاهرة، لأجل نَشْره. غيرَ أنّ الظُّرُوفَ العصيبةَ الّتي واجهت الشّقيقةَ مصرَ مطلعَ سنةِ 2011م، وتداعياتِها المعروفةَ، أدَّت إلى عرقلة مشروع طَبْعِ المُعجم قبل المُباشرةِ به. كما لم تُبادر المُؤسَّسةُ المذكورةُ إلى مُعاودة طَبْعه لاحقًا حتّى بعد أن استعادتْ مصرُ عافيتَها، وتُوفِّيَ رَحْماني سنةَ 2017م من دُون أن تتكحّلَ عيناه برُؤية المُعجم مطبوعًا، كما رحلَ قبله وبعده مُعظمُ فريقِ التّحقيق. شمع أحمر على مدى أعوامٍ كُنتُ أُحاولُ جمْعَ الخُيُوطِ بشأن مصير هذه النُّسخةِ المُحقّقةِ، وتكثّفت تحرُّكاتي مُنذ مطلع سنةِ 2022م حين نَمَتْ إلى عِلْمي تفاصيلُ دقيقةٌ بشأنها، واهتديتُ إلى وسيلةِ اتّصالٍ بعائلةِ رَحْماني، وحصلتُ منها على الوثائق الكاملة للمشروع، وعلمتُ منها ومن مُموِّلِ المشروع الدّكتور الزُّبيديّ مُلابساتِ التّعاقدِ مع مُؤسّسة المُختار، بالتّزامن مع تحرُّكي على دار الشُّؤون الثّقافيّة العامّة الّتي تفاعل مُديرُها مع الأمر إيجابيًّا، ومن خلالِه إلى وزارة الثّقافة سعيًا لاستعادةِ النُّسخةِ المُحقّقةِ الّتي تبنّى طَبْعَها بالدّار. ثُمَّ تكشّفت الحقائقُ المُرَّةُ بعد طُوْل مُكاتباتٍ وتواصلٍ ولقاءاتٍ ومُراجعاتٍ مع أطرافٍ عديدةٍ، بأنّ نُسخةَ التّحقيق كانت مُحتجزةً ومختومةً بالشّمع الأحمرِ تحت عُهدة النّيابة العامّة هُناك جرّاء إشكالاتٍ قانونيّةٍ خاصّة بمُؤسّسةِ المُختار، فبات مصيرُ هذه النُّسخةِ الوحيدةِ مُهدّدًا بالفُقدان الأبديِّ ما لم تتدخّلِ الجهاتُ الرَّسميّةُ المَنْوطُ بها حِفْظُ إرثنا الثّقافيِّ. هذا كُلُّه وغيره وثَّقْتُهُ في مُحاضرتي "رحلة أربعةِ عُقُودٍ مع الكرمليِّ، وعشرين عامًا في تتبُّعِ مصيرِ مُعجمِه (المُساعِد)"، المُلقاةِ في ندوةٍ أقامتها مُؤسَّسةُ إيشان لدراسات الثّقافة الشّعبيّة، في مقرِّها ببغدادَ مساء الجمعة 9 حَزِيْران 2023م، بمُناسبةِ إزاحةِ السِّتارِ عن تمثالٍ نِصْفيٍّ للكرمليِّ، ثُمّ نُشِرتْ كاملةً (في 24 صفحةً) شتاءَ 2024م، بمجلّة (العشرة كراسي) الفصليّة الصّادرة بالحلّة عن دار الفُرات للثّقافة والإعلام. نداء باسم المثقفين في مُحاضرتي تلك، دعوتُ إلى إطلاقِ نداءٍ إلى وزارة الثّقافة لإنقاذِ النُّسخةِ المُحقَّقةِ، وتبنّى الحاضرون من نُخْبةِ المُثقّفينَ الدّعوةَ، وتحمَّسَ لها الصّديقُ الدّكتور علي حدّاد رئيسُ مُؤسّسة إيشان، والصّديقُ الأُستاذُ علي حسن الفوّاز رئيسُ اتّحاد الأُدباء السابق الّذي اقترحَ توجيهَ النِّداء إلى رئيس الوزراء مُباشرةً. وجرى الاتّفاقُ على أن أكتبَ النِّداءَ، وبعد حسْمِ صيغتِه النِّهائيةِ - بإضافة الصّديقينِ عباراتٍ بروتوكوليّةٍ وحَذْفِ أُخرى فيها انتقادٌ لتقصيرٍ طالَ مداهُ من المُؤسَّساتِ الرَّسميّةِ حيالَ رُمُوزِ الثّقافةِ بالبلاد- نُشِرَ على أوسعِ نطاقٍ يوم 11 حَزِيْران 2023م، وبَلَغَنا أنَّ رئيسُ الوزراء تلقّاه عبرَ مُستشاره الثّقافيِّ، وحوَّلَهُ إلى مكتبِه الخاصِّ لإجراء اللّازمِ خلال سَفَرِه الوشيكِ إلى مصرَ. نهاية مؤلمة! لكنَّ النِّداء لم يُثْمِرْ عن شيءٍ برغمِ كثرة الوُعُود، وبعد مُرُور عامين قضيتُها والدّكتورين علي حدّاد وصاحب الزُّبيديِّ، في التّنسيقِ البينيِّ والتّواصلِ مع كُلِّ الأطراف ببغدادَ والقاهرةِ، علمنا أنّ مسؤولًا بوزارةِ الثّقافةِ فاتَحَ السِّفارةَ العراقيّةَ بالقاهرةِ لمُتابعة الموضوعِ، فسلَّمتِ السِّفارةُ قُنْصُلًا فيها المُهمّةَ، والقُنصلُ وكَّلَ مُحامي السّفارةِ المصريَّ قبل نقْلِه إلى عملٍ دبلوماسيٍّ آخرَ، وأخيرًا أخبرنا المُحامي أنّ علينا نحنُ دَفْعَ أُجُورِه كي يتحرَّكَ قضائيًّا؛ لأنَّ السِّفارةَ رفضت الدَّفعَ! وقد أكَّدَ القُنصلُ ذلك برسالةٍ محفوظةٍ لدينا. وبرغمِ هذه النّتيجةِ المُؤلمةِ، لم تتوقّفْ مساعينا لأجلِ استعادةِ هذا الإرثِ الثّقافيِّ العراقيِّ، كي يُنشَرَ في وطنِه.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج