رعد كاظم جبارة - آرت ديجيتال / سامر مقدادز
في كل عام، وعلى امتداد الطرق المؤدية إلى مدينة كربلاء المقدسة، تتجسد مسيرة إنسانية عظيمة تعرف بـ"مسيرة الأربعين"، حين يقطع الملايين من الزائرين مئات الكيلومترات سيرًا على الأقدام لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام. هذه المسيرة ليست مجرد طقس ديني أو شعيرة طائفية، بل هي نداء عالمي يعبّر عن رفض الظلم، وتكريم التضحية، وتأكيد على القيم الإنسانية والإسلامية التي تجسدها ثورة الإمام الحسين في كربلاء. ثورة خالدة واقعة كربلاء التي وقعت عام 61 هـ ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي ثورة أبدية في وجه الاستبداد. حينما خرج الإمام الحسين، لم يكن هدفه سوى إصلاح الأمة الإسلامية وإعادة الحق إلى نصابه. قال في إحدى خطبه: "إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي". فكانت ثورته تمثل الصرخة الأولى ضد التزييف الديني والسياسي، ووقوفه كان رفضًا صريحًا للذل والاستسلام. تجديد العهد تمثل زيارة الأربعين استمرارًا لرسالة كربلاء. إنها ليست مجرد إحياء ذكرى، بل هي تجديد للعهد مع الحسين ومبادئه: نصرة المظلوم، والوقوف في وجه الفساد، والدفاع عن الكرامة والعدالة. يسير الزائرون في حرارة الشمس أو برد الشتاء، حفاة أحيانًا، يحملون أرواحهم وقلوبهم ليقولوا: "لن ننسى الحسين، ولن ننسى مظلوميته." رسالة إنسانية ما يجعل من مسيرة الأربعين حدثًا استثنائيًا هو أنها عابرة للحدود والطوائف والأديان. فالكثير من المشاركين ليسوا فقط من المسلمين الشيعة، بل هناك أيضًا مسلمون من مختلف المذاهب، بل وحتى من ديانات أخرى. الجميع يجد في الحسين رمزًا للحرية والكرامة، ويمثل السير إليه في هذه المناسبة موقفًا عالميًا يرفض الظلم في كل زمان ومكان. إنها ثورة صامتة تسير على الأقدام، ولكنها تصرخ في وجه الطغاة: "لن يُنسى المظلوم، ولن يُمحى صوت الحرية." كرم وتكافل من المشاهد اللافتة في هذه المسيرة هي تلك المواكب التي تقدم الطعام والشراب والراحة مجانًا للزائرين. الناس يتسابقون لخدمة بعضهم بعضًا بلا مقابل، فقط حبًا بالحسين وخدمةً لرسالته. تظهر بذلك أسمى معاني الكرم والتكافل الاجتماعي والتواضع. إنها صورة مشرقة للإسلام الحقيقي، دين الرحمة والمحبة والتضامن. إعلام عالمي بالرغم من ضخامة الحدث، لكنه يغيب أحيانًا عن وسائل الإعلام العالمية، أو يجري تهميشه. لكن الحقيقة تبقى قوية: هذه المسيرة هي أكبر تجمع بشري سلمي في العالم. من هنا، يتحتم على الإعلام الحر والنزيه أن يسهم في نقل هذه الصورة العظيمة التي تعكس روح الإسلام الحقيقية، البعيدة عن العنف والتطرف، التي تدعو إلى السلام والعدل. نهج حياة إن مسيرة الأربعين ليست مجرد طريق يُقطع، بل درب للحرية وعهد بالوفاء لمن ضحى لأجل الإنسانية. إنها تذكير سنوي بأن الدم ينتصر على السيف، وأن المبدأ أقوى من السلطة، وأن الشعوب لا تموت طالما بقي فيها من يهتف بـ "هيهات منا الذلة". فالحسين ليس رمزًا للماضي فقط، بل هو منارة لكل الأحرار في العالم، وصوته لا يزال يهز ضمائر الأحياء ويحفزهم للسير على درب الحق، مهما غلت التضحيات.