أحمد عبد ربه /
في سياق مساعٍ حثيثة لإصلاح المنظومة الجمركية العراقية، ومواءمتها مع النظم العالمية الحديثة، عقدت الهيئة العامة للجمارك العراقية اجتماعًا مهمًا في بغداد، ضم وفدًا من جمارك إقليم كردستان وفريقًا من منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، لبحث آليات توسيع تطبيق نظام (الأسيكودا) وتوحيده على المستوى الوطني. الاجتماع الذي ترأسه مدير الهيئة العامة للجمارك، ثامر قاسم داود، أعاد طرح واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في العلاقة بين بغداد وأربيل، وهي قضية التفاوت الجمركي وتعدد المرجعيات. داود أكد خلال الاجتماع أن تطبيق (الأسيكودا) بشكل موحد سوف يسهم في "رفع كفاءة الأداء الجمركي وتسريع إنجاز المعاملات، بما ينعكس إيجابًا على حماية الاقتصاد الوطني من التهرب والتهريب والفساد." كما شدد على "ضرورة تفعيل الربط الإلكتروني بين المراكز الجمركية في الإقليم ونظيراتها الاتحادية، وتجاوز الفجوات في آليات التقييم والتخليص التي لطالما شكلت مدخلًا للإرباك والتمييز بين التجار." بضائع مهربة هذا التفاؤل الرسمي قوبل بتحفظات واضحة من المختصين في القطاع. الخبير الجمركي مصطفى الفرج، أشار إلى أن هذه الاجتماعات ليست الأولى من نوعها، وقد تكررت في السنوات الأخيرة دون نتائج ملموسة. وأوضح أن الوعود بضم المنافذ الجمركية في الإقليم إلى المنظومة الاتحادية لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن، ما تسبب بحالة من عدم الثقة لدى المستثمرين والتجار، خصوصًا في المناطق الوسطى والجنوبية الذين باتوا يفضلون التوجه إلى المنافذ الشمالية، حيث تُطبق إجراءات أقل صرامة، وتُغيب التعرفة الجمركية الرسمية في كثير من الأحيان. الفرج كشف أن نحو 80 % من البضائع المهرّبة من سلع حساسة، مثل السجائر والأدوية والمشروبات الكحولية، تدخل البلاد عبر منافذ الإقليم، في ظل غياب رقابة حقيقية أو نظام موحد للتقييم. واعتبر أن استمرار الحديث عن توحيد الإجراءات دون خطوات تنفيذية فعلية هو مجرد استهلاك إعلامي لا أكثر. محذرًا من أن بقاء الفجوة الجمركية بين الإقليم والمركز يشكل تهديدًا مباشرًا للإيرادات العامة ولتنافسية الأسواق العراقية. ملفات عالقة التساؤلات لا تقف عند حدود المنافذ وتعريفاتها، بل تمتد إلى البنية التحتية المؤسسية للنظام ذاته. إذ يرى مراقبون أن النجاح الجزئي لتطبيق الأسيكودا في المنافذ الاتحادية لا يمكن أن يُقاس دون توحيد النظام في عموم العراق، بما في ذلك المنافذ الخاضعة لإدارة الإقليم، وتأسيس قاعدة بيانات موحدة، وضمان التزام جميع الأطراف بالتقارير والإفصاحات. في المقابل، برزت مواقف سياسية داعمة لهذا التقارب. النائبة جوان إحسان فوزي عن الاتحاد الوطني الكردستاني قالت إن الاجتماع الأخير يعكس رغبة جادة لدى الطرفين في حل الملفات العالقة ضمن إطار دستوري وتوافقي. مؤكدة أن هذه الخطوة يمكن أن تمهّد لتفاهمات أوسع تشمل ملفات ستراتيجية، مثل الطاقة، والمنافذ الحدودية، والموارد المالية، بما يُسهم في ترسيخ الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد. قفزات ملموسة من جهتها، تشير تقارير منظمة الأونكتاد إلى أن العراق حقق قفزات ملموسة في الإيرادات الجمركية بعد تطبيق النظام في بعض المنافذ الاتحادية، إذ زادت الإيرادات بنسبة تجاوزت 200 % خلال عام واحد، مع ارتفاع عدد المعاملات الإلكترونية الجمركية وتوسيع الاعتماد على التقارير الرقمية والمفوضين الجمركيين المعتمدين. إلا أن هذه النجاحات تبقى منقوصة ما لم تُعالج الفروقات بين المنافذ الاتحادية والإقليمية.