بغداد: أحمد بشي /
على قارعة التغيرات التشريعية والسياسات المتسارعة في العراق، يجد سوق السيارات نفسه في مناخٍ متقلّب بين حرية الاستيراد ورؤية الدولة لضبط التوازن الاقتصادي. فمن جهة، يتطلع المواطن لامتلاك وسيلة نقل خاصة، مستندًا إلى حقه الدستوري. ومن جهة أخرى، تتحرك الحكومة ضمن ستراتيجية لترشيد الإنفاق وتعزيز البنية التحتية. إلا أن غياب شبكة نقل عام فعالة وتواضع الطرق يضعان العراق أمام تحدٍّ مروري ومعيشي متنامٍ. منطقة حرة عبر تطبيقات المزادات الإلكترونية مثل Copart وIAAI، يفتح المستورد العراقي حسين محمد ضياء نافذة على سوق السيارات الأميركية، بحثًا عن توازن بين المواصفات والسعر. لكنه يلاحظ أن السوق المحلية تمر بحالة ركود، يعزوها إلى القرار الجمركي رقم (270) لعام 2025، الذي فرض رسومًا مرتفعة دون آلية تقييم واضحة، ما أضعف الإقبال. ويعتقد ضياء أن تحسين الإجراءات الجمركية وتسهيل آليات التقييم سيسهمان في تنشيط السوق. وبحسب بيانات وزارة التخطيط لعام 2023، بلغ عدد المركبات المسجلة في عموم العراق نحو 8.1 مليون مركبة، منها أكثر من 3 ملايين في بغداد وحدها، بينها أكثر من 2 مليون سيارة خاصة. ويكشف المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، الدكتور مظهر محمد صالح، لمجلة "الشبكة العراقية" أن الحكومة تعمل على دمج استيراد السيارات ضمن خطة تطوير البنية الحضرية والنقل الذكي. مؤكدًا أهمية الاستثمار في شبكات الطرق وتشجيع النقل الجماعي عبر الحوافز المالية والضريبية. من جانبه، أوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن الوزارة تطبق عبر الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية معايير صارمة تتعلق بالمتانة والسلامة. وأشار إلى أن قرار منع استيراد السيارات التي يزيد عمرها عن سنتين جاء لضمان جودة المركبات والحفاظ على السلامة العامة. الطلب يفوق العرض الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، يؤكد في حديثه لـ "الشبكة العراقية" أن العراق استورد قرابة 175 ألف سيارة خلال السنوات الخمس الماضية، بكلفة سنوية تقارب 3 مليارات دولار. ويعزو هذا الطلب المرتفع إلى ثلاثة أسباب رئيسة: تقليص الرسوم الجمركية، وضعف خدمات النقل العام، وغياب سياسة تسقيط السيارات القديمة أو إعادة تصديرها. ويرى التميمي أن استمرار سياسة الاستيراد غير المقنّن من دون إصلاح اقتصادي سيؤدي إلى مزيد من التكدس في الطرق وتآكل البنية التحتية. من جانب آخر، كشف المتحدث باسم وزارة التجارة، محمد حنون، أن الوزارة باشرت بتقييد استيراد السيارات القديمة، واعتمدت نظام النافذة الواحدة لفحص ومطابقة السيارات. وأشار إلى تطوير الربط الإلكتروني بين الجهات المعنية، كالجمارك والمرور والمعارض، لتنظيم تدفق السيارات بما يتوافق مع الحاجة الفعلية للبلاد ومعدلات النمو السكاني، مع الحفاظ على الطاقة الاستيعابية للطرق. وبيّن حنون أن واردات السيارات تمثل مصدرًا مهمًا للدخل غير النفطي للدولة، وقد تتجاوز مليار دولار سنويًا، لكنها تُدرج ضمن الإيرادات غير المباشرة. وأعرب عن قلقه من استمرار حالات الاستيراد العشوائي وغياب المصانع المحلية لتجميع السيارات، ما يجعل السوق العراقية رهينة الاستيراد الخارجي.