ياسر متولي /
هناك مفهوم دارج، أو ظاهرة اعتدنا على حدوثها دوريًا، تتعلق بوقوع أزمات مالية تتفاقم كلما اشتدت الخلافات الدولية الساخنة، وفقًا لمصالح الدول العظمى المتنافسة على قيادة النظام الاقتصادي العالمي. وفيما ينشغل خبراء الاقتصاد هذه الأيام في البحث عن وسائل للتصدي للأزمة المالية العالمية المتوقعة، وتأثيرها على واقع الاقتصاد العراقي جراء المتغيرات العالمية، يأتي تحذير صندوق النقد الدولي بشأن العجز المالي المتفاقم في العراق، لأسباب موضوعية ترتبط بما يدور في العالم من متغيرات جيوسياسية ذات آثار اقتصادية موجعة، بحسب آخر تقرير صادر عن الصندوق. ولعل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرب التجارية، بقراره رفع الرسوم الجمركية على البضائع، كان الشرارة التي أيقظت سبات الأزمات المالية والاقتصادية. وبرغم تراجعه لاحقًا عن القرار، فإن الحذر والترقب ظلا سائدين في الواقع الدولي، نتيجة غياب اليقين تجاه نواياه وقراراته المتأرجحة، إضافةً إلى المعطيات التي أفرزتها تهديداته وقراراته المتضاربة. في ظل هذه التحولات، جاءت اليوم تحذيرات صندوق النقد الدولي، موجهةً للعراق، تدعو إلى مراجعة سياسة الإنفاق المتبعة وتقنينها بإجراءات يصعب تطبيق بعضها، لكونها تثير مشكلات اجتماعية معقدة لا تقوى الحكومة على مواجهتها. وهو ما يُعد نذير شؤم. ويدفع الصندوق باتجاه تطبيق إجراءات تقشفية صارمة، وضغط النفقات، داعيًا إلى إيقاف التعيينات وتسريح فائض العاملين، وهنا تكمن المعضلة أمام التزامات الحكومة وواقعها الاجتماعي. وبغضّ النظر عن مدى دقة هذه التحذيرات، فإن تجاهلها لم يعد خيارًا؛ بل يجب أخذها على محمل الجد، كونها تمثل مؤشرات خطيرة تستدعي التحوّط، وقد تمثل فرصة للحكومة للقيام بإصلاحات جذرية في السياسة المالية لمواجهة الآثار الوخيمة المتوقعة. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن العراق، كبلد ريعي، سيكون في مقدمة الدول المتضررة وأكثرها تأثرًا، خاصة مع التوقعات بانخفاض أسعار النفط عن السعر الافتراضي المعتمد في الموازنة. اللافت أن صندوق النقد الدولي، في تقرير مفصل مدعوم بالأرقام، حدد مؤشرات خطرة ستواجه الاقتصاد العراقي، منها تراجع نمو القطاع غير النفطي من 13.8 % في عام 2023 إلى ما يُقدّر بنحو 2.5 % في عام 2024، مع توقعات بعجز مالي عام. إذ أشار التقرير إلى أن العجز في الموازنة سيبلغ 7.5 % في عام 2025، ثم يرتفع إلى 9.2 % في عام 2026، نتيجة انخفاض الإيرادات وارتفاع الإنفاق، خصوصًا على الرواتب والمعاشات. إن صحّ ما ورد في تقرير الصندوق، فإن هذا الواقع يُحتم على الحكومة مراجعة خطط الإنفاق الجارية، وتقليص النفقات غير الأساسية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال زيادة الضرائب والرسوم الجمركية، وإصلاح ضريبة الدخل الشخصي. كما أوصى التقرير بالحد من التوظيف الإلزامي وتقليص عدد الموظفين، وهو ما يشكل تحديًا حقيقيًا، إلى جانب دعوته لإصلاح النظام التقاعدي عبر رفع سن التقاعد وتخفيف معدلات الاستحقاق والاستبدال. من المفيد التأكيد مجددًا أن تجاهل التحذير الوارد، بغضّ النظر عن مدى دقة المعلومات الواردة فيه، يبقى أمرًا بالغ الخطورة وذا أهمية قصوى. لهذا فإن المطلوب: التحوّط، والترقّب، والاحتراز، لمواجهة تداعيات تحذيرات صندوق النقد الدولي، والتصدي لآثارها المحتملة.