بين تراجع المبيعات وتذبذب سعر الصرف الأسواق تبحث عن انتعاش مفقود

اقتصاد

بين تراجع المبيعات وتذبذب سعر الصرف الأسواق تبحث عن انتعاش مفقود
100%

علي الدفاعي

تشهد الأسواق العراقية تراجعًا كبيرًا في الحركة التجارية، ما أثار تساؤلات حول قدرة السياسة النقدية على تحقيق الاستقرار في ظل التحديات الإقليمية والعالمية. تتعمق آثار الركود في مختلف القطاعات الاقتصادية، وسط تباين الآراء بين الخبراء بشأن الأسباب الحقيقية والحلول الممكنة.

ركود واضح يقول رشيد السعدي، المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد، إن السوق العراقية تمرّ منذ منتصف الشهر الماضي بحالة ركود ملحوظة على مستوى التعاملات والمبيعات في قطاعات البيع بالجملة والتجزئة. ويرجع السعدي هذه الحالة إلى تذبذب سعر صرف الدولار في السوق الموازية، موضحًا أن الانخفاض المفاجئ في سعر الصرف يدفع التجار والمستهلكين إلى الترقب والانتظار بدلًا من الشراء، ما يؤدي إلى تباطؤ الحركة التجارية بشكل عام.

يضيف السعدي أن السوق العراقية تُظهر حساسية عالية تجاه التغيرات في سعر الدولار، إذ إن استقرار السعر أو ارتفاعه تدريجيًا يعيد النشاط التجاري إلى طبيعته، بينما يؤدي انخفاضه السريع إلى نوع من (الشلل المؤقت) في المبيعات.

ويشير إلى أن الدينار العراقي يواصل ارتفاعه مقابل الدولار، حيث سجلت بورصات بغداد خلال الأيام الأخيرة نحو 139 ألفًا و500 دينار لكل 100 دولار أميركي، بعد أن كان السعر قبل أشهر يصل إلى 148 ألف دينار، وهو تحسن ملحوظ يعكس سياسات البنك المركزي في ضبط السوق، لكنه في المقابل خلق حالة من الركود نتيجة ترقب التجار لاتجاهات السعر المستقبلية.

عوامل متعددة بحسب السعدي، فإن التذبذب في الأسعار لا يمكن أن نعزوه إلى عامل واحد، بل هو نتاج تداخل اقتصادي وسياسي وإداري. ويضيف أن المباحثات الجارية بين البنك المركزي والمؤسسات المالية العالمية قلّلت من الاعتماد على السوق الموازية وزادت من التعامل عبر المنصة الرسمية، ما أدى إلى تراجع حجم مبيعات البنك المركزي نفسه. لم تقتصر تداعيات الأزمة على التجارة العامة فحسب، إذ يشير السعدي إلى أن قطاع الاستثمار العقاري يشهد بدوره انكماشًا واضحًا نتيجة ارتفاع الأسعار وعزوف المواطنين عن الشراء، فيما تراجعت حركة السفر والسياحة الخارجية بسبب انخفاض سعر الدولار الذي جعل الفارق في الصرف غير مجزٍ لتغطية نفقات السفر كما في السابق.

تصحيح نقدي من جانبها، ترى الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سندس العزاوي أن ما تشهده الأسواق العراقية لا يمكن وصفه بالأزمة، بل هو "تذبذب طبيعي في مرحلة انتقالية نحو نظام مالي أكثر شفافية." وتوضح العزاوي، في حديثها لـ "الشبكة العراقية، أن السوق تمرّ بمرحلة إعادة توازن بين العرض والطلب على العملة الأجنبية، ناتجة عن تشديد الإجراءات المتعلقة بالتحويل الخارجي، وتحديث ضوابط البنك المركزي الخاصة بالمنصة الإلكترونية.

وتؤكد العزاوي أن "التحول نحو الشفافية المالية أمر ضروري ومطلوب، لكنه يحتاج إلى وقت لتأقلم السوق والمصارف الأهلية مع المتطلبات الجديدة." مشيرة إلى أن بعض التحويلات الخارجية تواجه تأخيرات بسبب عدم اكتمال بيانات المستفيدين أو ضعف التوثيق في بعض المعاملات التجارية.

وترى العزاوي أن العامل النفسي يلعب دورًا محوريًا في تقلبات السوق، إذ إن الشائعات أو التصريحات السياسية قد تؤدي إلى تغير مفاجئ في الطلب على الدولار. وتوضح أن "مجرد انتشار شائعة حول احتمال خفض سعر الصرف، مثلًا، قد يدفع التجار إلى تجميد نشاطهم بانتظار وضوح الصورة، ما ينعكس على الأسواق خلال أيام قليلة."

رؤية إصلاحية وتعتقد العزاوي أن البنك المركزي العراقي يمتلك الأدوات الكافية لضبط السوق، لكنها تشدد على ضرورة تعزيز التنسيق بين البنك ووزارة المالية والجهات الرقابية لضمان تدفق العملة الأجنبية بشكل مستقر إلى القطاعات الإنتاجية والتجارية المشروعة.

كما تدعو إلى إطلاق برامج توعية مالية للمواطنين لشرح أسباب تغير سعر الصرف وتبديد المخاوف من الشائعات التي تؤثر في قرارات الادخار والشراء. وفي رؤيتها، لا يعني التذبذب في السعر وجود أزمة نقدية بقدر ما هو عملية تصحيح تدريجي تهدف إلى الوصول إلى توازن جديد أكثر شفافية واستقرارًا. وتؤكد أن "استقرار السياسة النقدية يعتمد بالدرجة الأساس على استقرار الثقة، وهذه مسؤولية مشتركة بين الدولة والسوق والمجتمع."

الترقب والإصلاح تُجمع آراء السعدي والعزاوي على أن مفتاح الحل يكمن في استعادة الثقة، سواء بين المؤسسات المالية والمواطنين أو بين الحكومة والقطاع الخاص. فالتاجر والمستهلك، كلاهما يحتاج إلى وضوح في السياسة النقدية، وثبات في سعر الصرف، وتشجيع الإنفاق العام والاستثماري لتحريك عجلة الاقتصاد. ويرى مراقبون أن المسار الحالي لإدارة البنك المركزي، القائم على تنظيم التحويلات ومكافحة تهريب العملة، وإن تسبب بتباطؤ مؤقت في الأسواق، إلا أنه على المدى الطويل قد يخلق اقتصادًا أكثر انضباطًا واستقرارًا، خصوصًا إذا ترافق مع سياسات مالية مرنة تسهّل على المستثمرين المحليين والمواطنين التعامل مع النظام المصرفي بثقة أكبر.

استقرار الدينار في نهاية المطاف، يتفق الخبراء على أن تذبذب سعر الدولار ليس أزمة بحد ذاته، بل هو اختبار لصلابة النظام المالي العراقي في مواجهة المتغيرات. وبينما يرى البعض أن الارتفاع النسبي في قيمة الدينار يمثل إنجازًا نقديًا، يحذر آخرون من أن استمرار الركود التجاري قد يبدّد المكاسب ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لتحفيز السوق وتنشيط الإنفاق العام.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج