مالك خلف وادي
تُعد الصناعة الوطنية إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في العراق، إذ تمثل المحرك الرئيس لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على القطاع النفطي. بعد سنوات من التراجع، نتيجة التحديات الأمنية والاقتصادية، باتت عودة الصناعة أولوية وطنية تسعى الحكومة إلى تحقيقها، من خلال المبادرة الصناعية التي تهدف إلى إحياء المصانع المتوقفة، وتشجيع الاستثمار في المشروعات الإنتاجية الجديدة، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج العراقي.
تكمن أهمية عودة الصناعة في قدرتها على تحريك الاقتصاد الوطني، عبر خلق فرص عمل واسعة للشباب، وتنشيط القطاعات المرتبطة بها، مثل النقل والطاقة والخدمات اللوجستية، فضلًا عن دورها في تقليص الاستيراد وزيادة الصادرات. كما تسهم الصناعات التحويلية في تطوير المهارات التقنية، وبناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية، وهو ما يعزز استقلالية الاقتصاد العراقي ويجعله أكثر مقاومة للأزمات العالمية.
أما من حيث الآلية، فإن النهوض بالقطاع الصناعي يتطلب إعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق الصناعية، وتوفير الطاقة بأسعار تنافسية، إضافة إلى تسهيل الإجراءات الإدارية، ومنح التراخيص للمشروعات الصناعية خلال فترات زمنية قصيرة. كما أن تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمثل أحد المحاور الجوهرية لإنجاح المبادرة الصناعية، إذ تتيح هذه الشراكة استثمار الخبرات الإدارية والتمويلية للقطاع الخاص، مع ضمان دعم الدولة وتوفير بيئة قانونية مستقرة. وتلعب الحكومة العراقية دورًا محوريًا في تنفيذ هذه الرؤية من خلال المبادرة الصناعية.
تشمل المبادرة منح قروض ميسرة للمستثمرين وأصحاب المصانع، وتوفير إعفاءات ضريبية وجمركية للمواد الأولية والمعدات، إضافة إلى دعم الإنتاج المحلي عبر فرض ضوابط على الاستيراد العشوائي. كما تعمل الحكومة على تفعيل المناطق الصناعية في المحافظات وربطها بالبنى التحتية الحديثة لتكون مراكز إنتاج وتصدير فاعلة.
إن عودة الصناعة في العراق ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل هي خطوة ستراتيجية نحو بناء اقتصاد متنوع ومستدام، يستند إلى الإنتاج الوطني والمعرفة والتكنولوجيا، ويضع العراق على طريق الاكتفاء الذاتي والتنمية الحقيقية.
* المدير العام لدائرة تطوير القطاع الخاص في وزارة التجارة