حليم سلمان /
الدخول إلى عالم الإمام الحسين (عليه السلام) يجرنا للانفتاح على مفاهيم سامية، تبدأ بالوفاء، ولا تنتهي بالإيثار، وتُختزل في كلماته الخالدة: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي." الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، شخصية فعالة على مدار التاريخ الإسلامي، لاسيما في الوجدان الإسلامي الشيعي. وُلد في المدينة المنورة سنة 4 للهجرة، ونشأ في كنف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أحاطه بمحبته ورعايته، وكان دائمًا يردد: "حسين مني وأنا من حسين." ورغم قصر الفترة التي عاشها مع جده النبي، إلا أن الحسين تربى في بيئة نبوية جمعت بين العلم، والزهد، والشجاعة، والكرامة. يمثل الحسين نموذجًا فريدًا للثائر الواعي الذي لا يرضى بالذل، ويقف ضد الظلم، مهما كان حجم التضحيات، وقد تجلى ذلك بأبهى صوره في واقعة الطف، معركة كربلاء، التي وقعت في العاشر من شهر محرّم سنة 61 هـ، حينما رفض سيد الشهداء مبايعة يزيد بن معاوية، لما رآه من انحراف في السلطة والابتعاد عن تطبيق مبادئ الإسلام. الحسين الثائر لم يسكت، فقرر الخروج مع أهل بيته وأنصاره من المدينة إلى مكة، ثم إلى كربلاء، رغم علمه بالمخاطر التي تحفّ طريقه، لأنه كان يدرك أن الصمت في مواجهة الظلم يعني المشاركة فيه. يتفق أهل الخير والإنسانية في العالم أنّ كربلاء الطف ليست مجرد واقعة تاريخية، بل هي مدرسة حيّة تعلّم الإنسان معاني الصبر، والثبات، والتضحية، والعدالة، ذلك أن الحسين وقف شامخًا قويًا، ومعه قلة من الأنصار، يواجهون جيشًا عدده بالآلاف، وهم على يقين بنيل الشهادة، لكنهم آثروا الموت بعزة على العيش بذلّ، ليصنعوا من ملحمة كربلاء رمزًا خالدًا للصراع بين الحق والباطل. أثر الإمام الحسين لم يقتصر على عصره، بل امتد إلى كل الأزمنة، فصار صوته صوت كل مظلوم، ودمه نبراسًا لكل مناضل. تستلهم منه الثورات قيمها، وتجد فيه الشعوب المضطهدة نموذجًا يُحتذى به. بهذا، يبقى الحسين منارة للهداية، وشعلة لا تنطفئ، تُجدد فينا الأمل، وتوقظ الضمير الإنساني في كل زمان ومكان. استعدوا لرفع رايات الحسين لإعلان رفض كل مظاهر الظلم والطغيان والاضطهاد والفساد.