مالك خلف وادي /
يشهد الوضع الإقليمي تطورات متسارعة على خلفية التوترات المتصاعدة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الإسرائيلي، وهي تطورات تُلقي بظلالها على الأسواق الإقليمية والدولية. بالنسبة إلى العراق، فإن لهذه التغيرات آثارًا مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الوطني، لاسيما من حيث أمن سلاسل الإمداد وحركة التجارة وأسعار النفط، ما يدعو إلى قراءة واقعية للأحداث وصياغة سياسات اقتصادية مرنة ومتكيفة. يمثل مضيق هرمز شريانًا حيويًا لنقل صادرات النفط العراقية، إذ تمر من خلاله غالبية إيرادات الدولة من مبيعات الخام. وأمام أي تصعيد محتمل، تظهر تحديات ترتبط باحتمال تقطع سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن، وارتفاع الأسعار عالمياً. كما أظهرت التقارير الدولية مؤخرًا أن شركات النقل بدأت تتوخى الحذر، وأصبح من المألوف إعادة توجيه بعض المسارات إلى ممرات بديلة، ما يزيد من أعباء التكلفة على المستوردين العراقيين ويضع ضغوطًا إضافية على الأسعار داخليًا. من جانب آخر، فإن هذه البيئة غير المستقرة تُعيد إلى الواجهة أهمية تعزيز قدرات العراق على تنويع طرق التصدير وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية اللوجستية، بما يشمل تطوير الموانئ والمنافذ الحدودية وخطوط الأنابيب البديلة، وهو ما يسهم في تقليل الاعتماد على منفذ واحد. كما تبرز أهمية مواصلة الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتهيئة بيئة أعمال جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، بما يُسهم في رفع قدرة الاقتصاد العراقي على التكيف مع المتغيرات الطارئة. في هذا السياق، يجب أن يكون التعامل مع التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة الإقليمية مبنيًا على سياسات هادئة، تُعطي الأولوية للاستقرار الاقتصادي وتضمن تدفق السلع والخدمات إلى الأسواق العراقية بانسيابية. ويمكن الاستفادة من هذا الظرف لإطلاق مبادرات نوعية، مثل توسيع قاعدة الصناعات الوطنية وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي، ما يقلل من تأثير أي تقلبات مستقبلية. في النهاية، يُدرك الجميع أن الأمن الاقتصادي الوطني لا ينفصل عن الأمن الإقليمي، وأن طبيعة المرحلة تتطلب درجة عالية من التخطيط الستراتيجي والتنسيق المشترك بين مختلف الجهات ذات العلاقة. إذ إن تطوير قدراتنا الإنتاجية والخدمية وتعزيز شراكاتنا الدولية، إلى جانب اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الاقتصاد من أية صدمات محتملة، سيسهم بلا شك في تمكين الاقتصاد العراقي من اجتياز هذه المرحلة بنجاح وبأقل أضرار ممكنة.
* المدير العام لدائرة تطوير القطاع الخاص في وزارة التجارة