أحمد عبد ربه /
في ظل عالم مضطرب، وشرق أوسط يوشك أن يشتعل، تبرز قصة العراق في الأمن الغذائي كاستثناء لافت. فبينما يتصاعد القلق من تأثير النزاعات الإقليمية على سلاسل التوريد، يصرّ العراق على تثبيت أقدامه في درب الاكتفاء، مُعلنًا أنه مستعد لكل الاحتمالات. في مقدمة هذا المشهد، تتصدر السلة الغذائية أولويات الحكومة، فقد أعلنت وزارة التجارة توفير مخزون ستراتيجي يغطي 42 مليون مواطن عراقي، يشمل خمس مواد أساسية (الطحين، الزيت، السكر، البقوليات، الرز)، إلى جانب 7.5 مليون حصة إضافية موجهة إلى الفئات المشمولة بشبكة الحماية الاجتماعية. ويقدم العراق تجربة واعدة في ملف بالغ الحساسية، حيث لم يعد الحديث عن الأمن الغذائي مجرد خطة ورقية، بل خزين واقعي وممارسات مرنة ووعي متزايد لدى المواطن. ورغم أن الطريق لا يخلو من العثرات، إلا أن الرسالة واضحة، موائد العراقيين في مأمن، والبلاد تمضي نحو مزيد من الاكتفاء والتنوع، لتُعيد لـ "أرض السواد" مكانتها كخزان الغذاء في الشرق. سلة مؤمنة وقال المتحدث باسم وزارة التجارة، محمد حنون، لـ "الشبكة العراقية": إن "المواد الأساسية مؤمّنة بشكل كامل، والتعاقدات الدولية مستمرة، بما فيها اتفاقيات استيراد الرز مع الولايات المتحدة، والزيوت والسكر من الإنتاج المحلي." وأضاف أن السلة توزّع في جميع المحافظات وفق آليات منضبطة، مؤكدًا أن فرق الرقابة تتابع السوق لمنع التلاعب بالأسعار أو تدهور الجودة. وفي القطاع الزراعي، كانت وزارة الزراعة قد أعلنت الاكتفاء الذاتي في محاصيل الحنطة، والشعير، والذرة الصفراء، مع تسجيل فائض غير مسبوق في الحنطة بلغ 6.4 مليون طن، مقابل الحاجة السنوية البالغة 5.2 مليون طن. وضخت الحكومة أكثر من 830 مليار دينار عراقي (نحو 630 مليون دولار) لشراء 12 ألف مرشة زراعية، ما أسهم في توسيع المساحات المزروعة بنحو 1.5 مليون دونم، كما ارتفعت زراعة الشلب إلى 150 ألف دونم مدعومة بتقنيات ترشيد المياه. وأفادت وزارة التخطيط أن العراق ليس من بين الدول المتأثرة بارتفاع أسعار الغذاء عالميًا، بحسب تقارير دولية، مشيرة إلى أن الإجراءات المتبعة "أمنت استقرار السوق المحلي، ووفرت خزينًا يكفي لعام كامل." بدائل ستراتيجية رغم هذه المؤشرات الإيجابية، فإن التصعيد العسكري بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، واحتمالات غلق مضيق هرمز، وضعا الأمن الغذائي تحت اختبارات جيوسياسية قاسية. وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم التجارة، محمد حنون، أن "العراق وضع بدائل ستراتيجية للنقل والتوريد، في حال حدوث أي إغلاق للممرات البحرية." مشيرًا إلى أن "العمليات التجارية مع إيران، التي تمثل شريكًا مهمًا للقطاع الخاص، مستمرة دون انقطاع." أما الخبير الاقتصادي صفوان قصي، فرأى أن "احتمالات ارتفاع كلفة الشحن قائمة، لكنها لن تؤثر فعليًا على وفرة المواد." وأوضح، في تصريح لـ "الشبكة العراقية"، أن "العراق يمتلك شبكة متعددة من المنافذ البرية والبحرية تعزز مرونته." من جهته، صرّح المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي بأن "التحسن الملحوظ في مستوى الأمن الغذائي يعود إلى خزين مهيأ يغطي كل العراق لمدة سنة." مشيرًا إلى استمرار التعاقدات مع شركات عالمية متخصصة في توريد الغذاء، ومتابعة دقيقة من فرق المراقبة لضبط الأسواق.