100%
حليم سلمان
تمارس الجامعات في العالم دورًا إيجابيًا في استقرار وتطور المجتمع، ليس فقط من خلال إسهامها في التعليم والبحث العلمي، إنما عبر دفع عجلة الإصلاح وترسيخ مبادئ النظام الديمقراطي، وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية. فهي ركائز أساسية في نهضة وتقدم الأمم، لاسيما أن الجامعات، في المجتمعات المتحضرة الديمقراطية، هي مؤسسات مستقلة، تؤثر في تشكيل الوعي العام، وإنتاج المعرفة الفكرية والعلمية، والإسهام في تربية الأجيال القادرة على بناء مجتمعات قائمة على مبادئ الحرية، والعدالة، والمساواة، فضلًا عن التفكير الحيوي الفعال، وتوفير مساحة للنقاش الحر، ما يجعلها منطلقًا طبيعيًا لأية حركة إصلاحية، إذ تنتج الجامعات البحوث لتقييم الواقع واقتراح الحلول العلمية والعملية للتحديات التي تواجه المجتمعات، في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، أو البيئية، من خلال مراكز الأبحاث والدراسات، التي تتناول السياسات العامة لتحليل آثارها، وتقديم توصيات مبنية على الأدلة لدعم صانعي القرار.
ويمكن أن تلعب الجامعات العراقية دورًا عمليًا في إعداد الكوادر القادرة على إدارة الإصلاح، فطلبة العلوم السياسية، والاقتصاد، والقانون، والإدارة العامة، يتلقون تدريبًا نظريًا وتطبيقيًا يؤهلهم للعمل بكفاءة في المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والدولية، ما يضمن وجود قاعدة بشرية مدرّبة على قِيَم الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة.
وبطبيعة الحال، فإن للجامعات إسهامًا كبيرًا في تَرسيخ ثقافة الديمقراطية من خلال مناهجها وأنشطتها، التي تعمل على غرس مبادئ الحرية الفكرية والتعددية وحقوق الإنسان في نفوس الطلاب، والتشجيع على حرية التعبير، واحترام الرأي الآخر، وبهذا التوجه فإنها تُربي جيلًا يحترم الآليات الديمقراطية، مثل الانتخابات، والمشاركة السياسية، والتداول السلمي للسلطة، فضلًا عن دورها الرقابي غير المباشر في تسليط الضوء على القضايا الحساسة، والدفع باتجاه الشفافية والمحاسبة من خلال البحوث والتقارير الأكاديمية، وعقد الندوات والمناظرات في أروقتها لمناقشة القضايا العامة، وتوفير منصة للنشطاء السياسيين والمفكرين، ما يُعزز إثراء النقاش العام وتوعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.
وبالتأكيد، لا تكتفي الجامعات بالتنظير، فهي المشارك الأساسي في تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال توسيع فرص التعليم أمام مختلف فئات المجتمع، الأمر الذي يُساعد في تقليص الفوارق الطبقية وتوفير فرص متكافئة للجميع.
وبناءً على كل تلك الحقائق والمعطيات، وبرغم ما تواجهه جامعاتنا من تحديات، كهجرة العقول، ونقص التمويل، ننصح الحكومة بالاستثمار الأمثل في التعليم العالي، وتطوير مؤسساته، وتشجيع الشراكات مع الجامعات العالمية، وتبادل الخبرات والكفاءات العلمية معها، وتوفير الدعم المناسب. ولا نغفل هنا ضرورة الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية لدعم التعليم والابتكار، ذلك أن الركيزة الأساسية لأي مشروع إصلاحي حقيقي يسعى إلى بناء مجتمع حر، عادل وديمقراطي، يبدأ من الجامعة.