100%
أحمد سعداوي
حقّق المخرج العراقي الشاب حسن هادي إنجازًا ثقافيًا تاريخيًا بفوزه بجائزين في مهرجان كان السينمائي العالمي، عن فيلمه (كعكة الرئيس).
يأتي هذا الفيلم على ذروة مسار شهد مثابرة كبيرة من مجتمع السينمائيين العراقيين بكلّ أجيالهم على مدى العقدين الماضيين، ونذكر هنا، مثلاً، أن فيلم (جنائن معلّقة) للمخرج أحمد ياسين حصد ثلاث جوائز في العام 2023 في مهرجان مالمو السينمائي. ورُشّح لجوائز الأوسكار عن فئة الأفلام الدولية. وكان أول فيلم عراقي يصل الى هذه المرحلة في تاريخ السينما العراقية. وفاز فيلم (مرثية بزيبز) للمخرج علي ريسان بالجائزة الأولى مناصفة في مهرجان الفيلم الوثائقي الدولي السادس لحقوق الإنسان في جنيف 2017.
في بعض السنوات القريبة، كان السينمائيون العراقيون يشاركون في غالبية المهرجانات والمسابقات العربية والعالمية بأفلامهم القصيرة والطويلة، ويحصدون الإعجاب والتقدير، وهو ما يشير إلى حيويّة هذا الحقل الفني، الذي يستثمر سقف الحريات النسبي والانفتاح على العالم، لحفر مكانة له في خريطة السينما العالمية.
لم يكن لهذه الإنجازات أن تتحقّق لولا الخلاص من عتمة سجنين؛ الأول هو الحكم الديكتاتوري الاستبدادي وخنقه حريّة التعبير، وعزلة الحصار والعقوبات الدولية التي استمرت 13 عامًا، التي دفعت العراق بعيداً عن إيقاع العصر في كل مناحي الحياة.
خلال هذه الحقبة المظلمة، التي تضافرت فيها قسوة المجتمع الدولي مع قسوة الديكتاتورية، كان (الرئيس) يقيم حفلات عيد ميلاده بكعكة عالية، ويأتي للحفل بعربة مذهّبة تجرّها الخيول، بينما تقوم الفرق الحزبية والمدارس في عموم العراق بنسخ هذا الحفل بصورة مصغّرة وإجبار المواطنين على المشاركة فيه. وهذه المفارقة هي ما اشتغل عليها فيلم (كعكة الرئيس).
استطاع العراق خلق تواصل مهم جدًّا مع العالم خلال العقدين الماضيين، من خلال الثقافة والأدب والفنّ، التي هي أشبه بالقوّة الناعمة التي تخترق الحدود وتوصل صورًا عن العراق والعراقيين إلى ثقافات ولغات مختلفة.
استطاع أفراد مختلفون حول العالم التعرّف على العراق من خلال الصور الأدبية والسينمائية، أكثر من الأخبار وما تنقله وسائل الإعلام في طوفان يومي من التغطيات الإعلامية. واستطعنا نحن أيضًا، داخل العراق، التواصل مع شعوب وثقافات مختلفة بالطريقة نفسها؛ من خلال الفن والأدب.
تحصل إيران مثلًا على تقدير عالٍ في المحافل الثقافية الدولية بسبب قوّة السينما فيها، وكذلك الأمر مع كوريا الجنوبية، التي صنعت متنًا ثقافيًا كاملًا يتعاطى معه جمهور واسع في أرجاء العالم كلّها من خلال السينما والدراما و(الإنمي).
ألف مبارك للمخرج حسن هادي وفريق عمله من ممثلين وفنّيين، ولاسيما المنتج المحلي للفيلم، السينمائي العراقي حيدر إبراهيم، الذي لولا جهوده ومثابرته ما كان للفيلم أن ينتج بهذه الصورة، على وفق شهادة كادر العمل. ولا شكّ أن المحطّات المقبلة ستشهد الكثير من الإبداعات السينمائية العراقية.