علي كريم اذهيب
في بلدٍ يشكّل فيه الشباب النسبة الأكبر من السكان، تبدو المشروعات، الصغيرة والناشئة، واحدًا من أهم الحلول المطروحة لمعالجة البطالة وفتح أبواب الرزق أمام آلاف الخريجين والعاطلين. لكن هذه المشروعات، التي يُفترض أن تكون رافعة للتنمية، تعيش بين مسارين متناقضين: الدعم المحدود والمعوقات الثقيلة.
تشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن معدل البطالة العام انخفض من نحو 16.5 % في عام 2021 إلى نحو 14 % في مسوح عام 2025. غير أن هذا المعدل يُخفي وراءه تفاوتًا حادًا: * بطالة الشباب (15 - 24 سنة) بلغت نحو 35.8 %. * بطالة الشابات وصلت إلى 62.2 %، وهي نسبة صادمة مقارنة بـ14.7 % فقط بين الذكور. * وتشير التقديرات الرسمية إلى أن نحو 64 % من سكان العراق هم من فئة الشباب، ما يجعل معالجة البطالة أولوية وطنية مُلحّة.
مشروعات صغيرة تُظهر التجارب أن المشروعات الناشئة يمكن أن تتحول إلى قاطرة اقتصادية قادرة على استيعاب نسب واسعة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل. يقول حيدر العطواني (27 عامًا)، لـ"الشبكة العراقية"، وهو صاحب مشروع لتحضير الوجبات السريعة في كربلاء المقدسة: "كنت أبحث عن وظيفة حكومية لأكثر من سنتين، لكن بلا جدوى. قررت أن أفتتح عربة طعام صغيرة بالاعتماد على مبلغ بسيط استدنته من أهلي. المشروع وفر عملًا لي ولأخي، وصرت أقدّم وجبات لطلاب الجامعة والموظفين. صحيح أن الربح محدود، لكنه يضمن لنا عيشًا كريمًا." أبرز ما يعانيه رواد الأعمال الشباب هو ضعف التمويل، فالقروض المصرفية تتطلب ضمانات عقارية، أو سجلًا ائتمانيًا يصعب توفره.
في حديثها مع "الشبكة العراقية"، تقول زهراء الكعبي (24 عامًا)، خريجة إدارة أعمال، إنها حاولت إطلاق متجر إلكتروني للمنتجات اليدوية، لكنها فشلت في تجاوز عقبة التمويل: "قدّمت طلب قرض من مصرف حكومي، لكنهم طلبوا ضمان عقار مسجل باسمي. وأنا ما زلت أعيش مع أهلي وليست لدي أية أملاك. المشروع بقي مجرد فكرة على الورق، بينما من يملك واسطة يصل أسرع."
متاهة الأوراق حتى من يمتلك رأس المال لا ينجو من البيروقراطية، إذ تحولت الإجراءات الإدارية المعقدة إلى عقبة ثانية أمام المشروعات. يقول علي حسين (30 عامًا)، لـ "الشبكة العراقية"، وهو شاب حاول افتتاح ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية في بغداد: "منذ شهرين أتنقل بين الدوائر لاستخراج الرخصة. كل دائرة تحيلني إلى أخرى، وأحيانًا يطلب الموظفون معاملات غير موجودة بالأساس. لولا صبري، لكنت أغلقت الورشة قبل أن تبدأ." أشارت وزارة التخطيط -مؤخرًا- إلى وجود نحو 1400 مشروع متلكئ في عموم العراق، وهو رقم يعكس حجم التعثر الإداري والمالي. بعض هذه المشروعات، لو أُعيد تشغيله، لكان قادرًا على استيعاب آلاف العاملين وتقليص معدلات البطالة في محافظات بأمسّ الحاجة إلى فرص عمل.
التمويل الميسر يؤكد الدكتور جمال الدليمي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأنبار، لـ "الشبكة العراقية"، أن: "المشروعات الصغيرة، لو حصلت على قروض ميسّرة وإجراءات مبسطة، فهي قادرة على استيعاب نسبة كبيرة من الشباب العاطل. التجارب العالمية تُثبت أن 60 % من الوظائف الجديدة تأتي من قطاع المشروعات الناشئة." ويضيف أن "العراق بحاجة إلى سياسات أكثر مرونة، تشمل برامج حكومية جادة لدعم الشباب، وشراكات مع منظمات دولية لتوفير التمويل والتدريب، إضافة إلى بيئة تشريعية تُسهّل الإجراءات وتقلّص البيروقراطية." الفجوة بين الجنسين في سوق العمل العراقي تمثل تحديًا إضافيًا. فبينما يعمل كثير من الشباب في التجارة والخدمات، تواجه الفتيات صعوبة في الحصول على فرص متكافئة.
رافعة اقتصادية تقرير مشترك، بين وزارة التخطيط ومنظمات دولية، أشار إلى أن بطالة الشابات بلغت 62.2 %، وهو ما يعكس حرمان الاقتصاد من نصف طاقته البشرية تقريبًا. هنا تبرز الحاجة إلى برامج تمويلية خاصة بالنساء، وإجراءات تحفيزية تسمح لهن بدخول السوق بأقل التعقيدات.
المشروعات الصغيرة ليست مجرد مبادرات فردية، بل يمكن أن تتحول إلى رافعة اقتصادية وطنية، إذا ما جرى تمكينها عبر: * قروض ميسّرة بشروط ملائمة. * إصلاح إداري يختصر الإجراءات البيروقراطية. * برامج تدريب وتأهيل لريادة الأعمال. * دعم خاص للنساء والشباب في المحافظات المهمّشة.
العراق اليوم يقف على مفترق طرق: فإما أن يُطلق طاقات شبابه عبر دعم المشروعات الصغيرة والناشئة، أو أن يبقى أسيرًا للبطالة والاعتماد المفرط على التوظيف الحكومي.
في بلد يشكّل فيه الشباب قرابة ثلثي السكان، تبدو الإجابة واضحة: لا مستقبل بلا تمكين الشباب، ولا تنمية بلا مشروعاتهم.