إعداد وترجمة : أحمد المولى /
برزت الشبكات العصبية كحجر الزاوية في الذكاء الاصطناعي، ما مكّن الآلات، أو الأجهزة الحاسوبية، من التعلّم والتفكير بطريقة تشبه الدماغ البشري. الشبكات العصبية هي مجموعة فرعية من التعلم الآلي، الذي هو جزء من الذكاء الاصطناعي. صُممت هذه المنظومات بشكل مشابه للخلايا العصبية في الدماغ البشري، إذ تتصل كل خلية عصبية بأخرى، وتعمل جميعها معًا لمعالجة المعلومات. ما الشبكات العصبية؟ الشبكات العصبية في الدماغ هي نظام معقد من الخلايا المتصلة التي تعمل معاً لمعالجة المعلومات واستخلاص المعنى منها. تخيل أن دماغك مثل مدينة ضخمة مليئة بملايين "المحطات الصغيرة" المتصل بعضها ببعض بـ"طرق" عديدة. هذه "المحطات الصغيرة" هي الخلايا العصبية، أمّا "الطرق" فهي الموصلات بينها. عندما تستقبل معلومة (مثل رؤية شيء أو سماع صوت)، فإنها تنتقل عبر هذه "الطرق" من محطة إلى أخرى. كل محطة (خلية عصبية) تعالج جزءًا صغيرًا من هذه المعلومة ثم تمررها إلى المحطات التالية. من خلال هذا العمل الجماعي المنظم، يستطيع دماغك فهم العالم من حولك، والتعلم، واتخاذ القرارات. وفي التكنولوجيا، يمكن للشبكات العصبية أن تتعلم من البيانات، وتحديد الأنماط وإنشاء نماذج يمكنها حل المهام من دون برمجة صريحة. تتكون الشبكات العصبية من طبقات من العقد المترابطة أو "العصبونات" التي تعالج وتنقل المعلومات بطريقة مشابهة للمسارات العصبية في الدماغ. من خلال استنساخ هذه البنية المعقدة، يمكن للباحثين إنشاء آلات قادرة على التعلم من التجربة وتمييز الأنماط واتخاذ القرارات بدقة ملحوظة. البدايات بدأت فكرة إنشاء ذكاء اصطناعي وأجهزة قادرة على التعلم في الأربعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ العلماء في تصميم النماذج النظرية الأولى للخلايا العصبية. فقد اقترح عالم الرياضيات وعلوم الكمبيوتر (آلان تورينج) فكرة آلة يمكنها محاكاة عمليات التفكير البشري. ثم أنشأ (وارن ماكولوش) و(والتر بيتس)، وهما عالمان أميركيان في علم الأعصاب، أول شبكة عصبية اصطناعية في عام 1943. كان نموذجهما، المعروف باسم (عصبون ماكولوش-بيتس)، جهازاً بسيطاً يحاكي سلوك الشبكات العصبية البشرية. في الخمسينيات، طوّر عالم الكمبيوتر فرانك روزنبلات (البيرسبترون)، وهو نوع من الشبكات العصبية التي يمكنها تعلم تصنيف الأنماط. وعلى الرغم من أن البيرسبترون كان محدوداً في قدراته، فإنه شكّل علامة فارقة مهمة في تطوير الشبكات العصبية. وعلى الرغم من الحماس الأولي المحيط بالشبكات العصبية، شهد المجال تراجعاً في الاهتمام والتمويل في الستينيات والسبعينيات، لأن تكنولوجيا ذلك الوقت لم تستطع دعم مثل هذه الحسابات المعقدة. فقط في الثمانينيات، ومع تطور تقنيات الحاسوب، عاد المجتمع العلمي إلى الشبكات العصبية. تجدد الاهتمام والصعود شهدت الثمانينيات صحوة في الاهتمام بالشبكات العصبية، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى عمل عالم الكمبيوتر الكندي (جيفري هينتون). في عام 1986، اقترح جيفري هينتون، مع زميليه (ديفيد روملهارت) و(رونالد ويليامز)، خوارزمية سمحت للشبكات العصبية بالتعلم من أخطائها وتحسين أدائها، وأصبحت الأساس لمزيد من التطوير في هذا المجال. شهد العقد الأول من القرن الحالي، الحادي والعشرين، اختراقاً كبيراً في مجال الشبكات العصبية مع تطوير تقنيات التعلم العميق. قدم باحثون مثل (يان لوكون) و(يوشوا بنجيو) و(جيفري هينتون) مساهمات مهمة في هذا المجال. في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حققت شركة جوجل تقدماً كبيراً في تقنية التعرف على الكلام، إذ طورت أنظمة يمكنها نسخ اللغة المنطوقة بدقة. أصبح هذا الاختراق ممكناً بفضل استخدام الشبكات العصبية العميقة، التي مكّنت الآلات من تعلم أنماط وفروق الكلام البشري الدقيقة. حدث اختراق في تكنولوجيا الشبكات العصبية في عام 2012 عندما فاز نموذج يعتمد على الشبكات العصبية العميقة (التعلم العميق) في مسابقة للتعرف على الصور. أظهر هذا الانتصار أن الشبكات العصبية العميقة يمكن أن تحسن الدقة بشكل كبير في معالجة المعلومات. ظهور ChatGPT شهد العقد الثالث من القرن الحالي ظهور ChatGPT، وهو نموذج لغوي ثوري طوّرته شركة OpenAI. يستخدم ChatGPT بنية شبكة عصبية قائمة على المحولات (Transformers) لتوليد استجابات نصية شبيهة بالإنسان لمدخلات المستخدم. لهذه التقنية تداعيات بعيدة المدى على معالجة اللغة الطبيعية والروبوتات المحادثة والتفاعل بين الإنسان والحاسوب. لقد كان تطور الشبكات العصبية عملية تدريجية امتدت لعقود متعددة.