ترجمة: آلاء فائق /
يرسم المشهد الاقتصادي العراقي ملامح مستقبل مزدوج، يجمع بين تحديات مالية وهيكلية معقّدة، وفرص واعدة للنمو، خصوصًا في القطاعات غير النفطية التي تشهد مؤشرات انتعاش ملحوظة. وبينما تبدي الحكومة تطلعاتها نحو إصلاحات واسعة، تبقى عوامل عدم الاستقرار المالي، والاعتماد الكبير على النفط، من أبرز المعوقات التي قد تحد من هذا الطموح. هيمنة النفط ما يزال الاقتصاد العراقي يعتمد، بشكل شبه كلي، على صادرات النفط التي تُشكّل العمود الفقري لإيرادات الدولة وناتجها المحلي الإجمالي. هذا الاعتماد المفرط يترك الاقتصاد عرضة للتقلبات في أسعار الخام بالأسواق العالمية، إذ إن أي تراجع حاد في الأسعار من شأنه أن ينعكس سلبًا على المالية العامة والاستقرار الاقتصادي. وقد أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه حيال تفاقم العجز المالي، إذ ارتفع العجز في موازنة العراق إلى 7.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنةً بـ 1.3 % في العام الذي سبقه. كما ارتفع الدين العام إلى 48.2 %، مع توقعات ببلوغه 54.6 % في عام 2025، ما لم تُعتمد سياسات مالية إصلاحية تقلّص حدة الاختلالات البنيوية. ضغوط تضخمية تواجه البيئة الاقتصادية العراقية ضغوطًا إضافية ناجمة عن التوترات الإقليمية والتقلبات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فضلًا عن تحديات الاقتصاد العالمي الذي يعاني من مخاطر تباطؤ النمو. وعلى الرغم من تراجع معدلات التضخم مؤخرًا، إلا أن استمرار التوسع المالي دون ضوابط، والتذبذب في أسعار الطاقة، قد يعيدان إشعال الضغوط التضخمية ويضعفان الاستقرار المالي على المدى المتوسط. ولا يزال القطاع الخاص في العراق يعاني من ضعف الأداء، نتيجة إشكاليات هيكلية متعددة، تشمل ضعف كفاءة الجهاز الإداري والخدمات العامة، وتباطؤ التنوع الاقتصادي، وسوء استغلال الموارد البشرية. لذا يُعدّ تنشيط القطاع الخاص عاملًا أساسيًا لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ولاسيما في ظل تزايد الحاجة إلى خلق فرص عمل جديدة ورفع معدلات الإنتاجية. مؤشرات واعدة في المقابل، تظهر بوادر إيجابية في عدد من القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والبناء والخدمات، التي سجلت نموًا لافتًا في السنوات الأخيرة. وتعمل الحكومة على دفع عجلة هذه القطاعات، من خلال حزمة إصلاحات تركز على تحديث البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير منظومة التعليم والتدريب المهني. منذ تشكيل الحكومة الحالية في عام 2022، شهد العراق تحسنًا نسبيًا في الاستقرار السياسي والأمني، ما أتاح المجال لإقرار أول موازنة اتحادية لثلاث سنوات، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وتوفير بيئة تشريعية مستقرة للمشاريع الاستثمارية. ومع استمرارية هذا المناخ الإيجابي، تزداد فرص جذب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز الاقتصاد المحلي. الأسواق العالمية في سياق متصل، تواصل الحكومة جهودها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، في خطوة تُعدّ بالغة الأهمية لدمج الاقتصاد العراقي بالنظام التجاري العالمي. ومن شأن هذه الخطوة أن تفتح آفاقًا جديدة أمام الاستثمارات الأجنبية، وتُسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل. ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يسجل الاقتصاد العراقي نموًا يصل إلى 5.3% في عام 2025، مدفوعًا بتحسن أداء القطاعات غير النفطية، وزيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا. إلا أن تحقيق هذه التوقعات يظل مشروطًا بتسريع تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية، وتعزيز الانضباط المالي، وتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية، وتحسين كفاءة القطاع العام.