ياسر متولي
نتناول في مقالنا هذا موضوعًا بالغ الأهمية في فهم ما يدور من حولنا في التعاملات التجارية بين الدول، بهدف الفائدة من تجارب الآخرين، وهي وسيلة مثلى لفهم وتعلم كيف تبنى العلاقات الاقتصادية بين الدول. الحمائية التجارية، كمفهوم اقتصادي، وبتعريف بسيط، هي "فرض رسوم عالية جدًا على البضائع التي تورد إلى بلد بعينه، بهدف تقليل الاستيرادات." وهي بهذا المعنى أقرب مفهوم لحماية المنتج الوطني، مع فارق في الأهداف نتلمسه في نسب وحجم التعرفة الكمركية التي تفرضها الدولة المستوردة. لكن الفرق الذي سنتلمسه بين المفهومين، من خلال المثال الآتي في قرار الحمائية التجارية الذي اتخذته أميركا ضد البضائع والسلع الصينية الموردة إلى أميركا، الذي تحول من مفهوم الحماية إلى مفهوم الحرب التجارية.. كيف؟ المعروف أن ما يقارب الـ 60 % من احتياج الشركات الأميركية يعتمد على السلع الصينية، من مختلف المواد الأولية، أو حتى المواد الأساسية التي تدخل في متطلبات الصناعات الأميركية. ويأتي قرار ترامب، برفع التعرفة الكمركية على السلع الصينية إلى 140 %، هادفًا إلى ايقاف الفورة الإنتاجية الصينية التي تفوق الحاجة الفعلية للصين، في محاولة لتحقيق كساد في الصناعة الصينية. من هنا، فإن الهدف بات سياسيًا، وبمثابة إعلان حرب تجارية بين البلدين. على الرغم من أنه خفض نسبة التعرفة إلى 30 %. هذه الصفعة تلقتها الصين برحابة صدر، وواجهتها بالانتقال والتوسع في صادراتها إلى دول أخرى، ما حافظ على استمرار وتواصل فائضها الإنتاجي، ولو بأسعار مخفضة، على حساب أرباح الشركات الصينية، ما ساعدها على ديمومة الإنتاج. فكانت واجهة الصين نحو دول آسيا وإفريقيا، حيث وجدت أسواقًا مختلفة لبضائع أرخص من السلع الأميركية، فسحبت البساط من تحت الصادرات الأميركية إلى هذه الدول. وما جعل الصين تستثمر هذه الفرصة، هو أن الحمائية التجارية الترامبية لم تفرق بين دول غنية وفقيرة، وبذلك استطاعت الصين أن تستحوذ على الطلب الإفريقي المتعطش للسلع والبضائع وهي في طور النمو. ثم أن الصين استطاعت أن تنفذ إلى السوق الأميركية من الباب الإفريقي، حيث باشرت بعض الدول الإفريقية، التي تصدر منتجاتها إلى أميركا، بتصدير البضائع الصينية تحت علامات إفريقية إلى الشركات العالمية. وبذلك ظلت الصين متفوقة ومهيمنة على الصادرات العالمية، وهذا ما يغيظ أميركا، ويجعلها تتخبط في التعامل مع الصين، بما ينذر باحتكاك جديد قد ينسحب إلى حدوث حرب عالمية ثالثة.. لا سمح الله. العبرة المستشفة من هذه المقاربة هي أن الطفرة في الفوائض التجارية، من خلال تواصل نمو الإنتاج الصيني، وزيادته، والتوسع والزيادة في الصادرات، وليست في زيادة الأسعار. لذلك، فإن الرسوم الكمركية الأميركية على الصين لم تؤثر على فورة الصين الإنتاجية، إذ إن كفاءة الإنتاج والإنتاجية وخفض التكاليف هما الضد النوعي في دروس الحروب التجارية. ما أعتقده، أنه درس بليغ في فهم معنى وأهمية الكفاءة الاقتصادية في التعاطي والتعامل الأوسع مع الدول، وكيفية بناء العلاقات الاقتصادية المتنوعة بين الدول، وعدم الاعتماد على منشأ واحد، أو دولة واحدة.