100%
زياد جسام
تصوير / حسين طالب
في أجواء فكرية اتسمت بالتنوع وتعدد الطروحات، شهدت الدورة 26 لمعرض بغداد الدولي للكتاب سلسلة ندوات ثقافية وحوارية جمعت وزراء ومفكرين ومثقفين من العراق وعدد من الدول العربية.
قدمت هذه الندوات ملامح عن واقع الثقافة العراقية، وشراكاتها العربية، فضلًا عن رؤى فكرية تؤكد مركزية الكتاب ودوره في صياغة وعي الفرد والمجتمع.
واقع الثقافة
شهدت قاعة الندوات في المعرض، انعقاد ندوة بعنوان "واقع الثقافة في العراق"، حضرها وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور أحمد فكاك البدراني، وأدارها رئيس تحرير مجلة (الشبكة العراقية) الصحفي حليم سلمان، بمشاركة حشد من المثقفين والإعلاميين.
استهل الوزير حديثه بالتأكيد على أن العراق بلد ثقافة وحضارة متجذرة منذ أكثر من ستة آلاف عام، من سومر وأكد، إلى بابل وآشور.
وأوضح أن الرؤية المستقبلية للثقافة العراقية تستند إلى استلهام هذا الإرث العريق، وإعادة صياغته بروح معاصرة تليق بثراء البلاد وتنوعها.
البدراني أشار إلى التنوع الثقافي في العراق، من البصرة ذات الطابع الخليجي، إلى كربلاء بعمقها الديني، وذي قار والسليمانية بما تحملان من تلاقٍ ثقافي بين الجنوب والكرد.
وعن الدعم الحكومي، أشاد بدور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في رعاية السينما والفنون، إذ أسهمت المنحة الحكومية في تشغيل أكثر من 1500 فنان وفني، وإنتاج ما يزيد على 600 عمل متنوع.
كما استعرض إنجازات الوزارة في طباعة أكثر من 1200 عنوان لمؤلفين عراقيين ومغتربين، وإصدار الدوريات الثقافية، وتخصيص ربع جوائز الإبداع للشباب، إلى جانب تحقيق إنجازات مسرحية على المستوى العربي.
كذلك أعلن الوزير عن مشروعات ستراتيجية، منها إنشاء دار أوبرا بتصميم عالمي في بغداد، وإطلاق أول سوق رقمي للّوحات التشكيلية، والتهيؤ لافتتاح أكبر مكتبة رقمية في المنطقة.
كما أكد استمرار التعاون الثقافي مع دولة قطر، بعد نجاح الأسبوع الثقافي العراقي في الدوحة، كاشفًا عن التحضير لأسبوع ثقافي قطري في بغداد قريبًا.
العراق وقطر
كما احتضنت قاعة الندوات جلسة مشتركة حملت عنوان "تجربة الثقافة القطرية والعراقية: هندسة المشروعات والفعاليات الثقافية"، شارك فيها الدكتور علاء أبو الحسن العلّاق، المدير العام لدائرة العلاقات الثقافية العامة، وناصر مال الله المالكي، مدير إدارة التعاون الدولي في وزارة الثقافة القطرية، وأدارها الصحفي حليم سلمان.
تركزت النقاشات حول التجربتين الثقافيتين العراقية والقطرية، مع محاور أساسية في التراث واللغة والإرث العربي الإسلامي.
وأكد العلاق على أهمية إعادة إعمار شارع الرشيد والمتنبي، وفق هندسة المشروعات الثقافية، مشيرًا إلى أن الوزارة تدير شبكة تضم 42 قصرًا وبيتًا ثقافيًا، تمتد من أربيل إلى البصرة، لرعاية المثقفين والأنشطة المتنوعة.
أما المالكي، فقد عرّف بمفهوم "الفضاءات الثقافية"، مستشهداً بتجربة "درب الساعي" في قطر، وهو فضاء رمزي يجمع الفعاليات الثقافية والفنية، ويحتفي بالوحدة الوطنية والتنوع، وقد أصبح ملتقىً عربيًا استضاف الأسبوع الثقافي العراقي.
في مداخلة أخرى، شدد العلّاق على أهمية دخول العراق إلى المجلس التنفيذي لليونسكو بعد أكثر من 40 عامًا من الغياب، مؤكدًا جهود الوزارة في ترميم المواقع الأثرية التي تعرضت للدمار على يد تنظيم داعش الارهابي، بالتعاون مع منظمات دولية.
واختتمت الندوة بالإعلان عن تنظيم أسبوع ثقافي قطري في بغداد مطلع عام 2026، يتضمن فعاليات فنية وتراثية متعددة، في خطوة لتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.
التحولات الفكرية
وضمن منهاج المعرض - أيضًا- كانت هناك جلسة أخرى، استضيف فيها وزير الصناعة والمعادن الأستاذ الدكتور المهندس خالد بتال النجم، في ندوة فكرية بعنوان "أصول التحولات الفكرية والعملية الناجمة عن قراءة الكتب" أدارها الصحفي حليم سلمان.
أكد من خلالها وزير الصناعة والمعادن أن القراءة ليست ترفًا معرفيًا، بل قوة تعيد تشكيل العقل والسلوك، فهي تنمي الوعي النقدي، وتوسع المدارك، وتحرر الإنسان من الجمود، ومن هذه الأصول الفكرية تنبثق التحولات العملية التي تهذب السلوك، وتعزز روح المبادرة والإبداع، وتحول المعرفة إلى فعل مؤثر في المجتمع. وأوضح النجم أن الكتاب يشكل جسرًا بين الفكر والعمل، وبين الفرد ونهضة الأمة، مؤكدًا أن الاستثمار في القراءة والوعي الثقافي يوازي في أهميته الاستثمار في الصناعة والتنمية الاقتصادية.
تكشف هذه الندوات الثلاث، وغيرها من الندوات التي أقيمت في معرض بغداد للكتاب بهذه الدورة، عن ملامح ثقافة عراقية حيّة تتطلع إلى المستقبل، وتبحث عن شراكات عربية تعزز حضورها، وتؤكد أن الكتاب لا يزال أداة فاعلة للحوار والتغيير، سواء في إعادة قراءة الماضي، أو في صياغة تحولات الحاضر والمستقبل.