كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الصحافة والإعلام؟

إعداد وترجمة/ أحمد الهاشم ألقت مسيرة التقدم التكنولوجي، التي لا هوادة فيها، ولاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي، بظلالها على راهن الصحافة والإعلام ومستقبلهما. قبل أقل من عقد من الزمن، كان الشغل الشاغل لكل صحفي ووسيلة إعلامية هو كيفية التنافس مع صعود شبكات التواصل الاجتماعي. مع التحولات الزلزالية في العصر الرقمي، تواجه الصحافة في معظم اشكالها الآن احتمالًا بفقدان ليس فقط منصتها واحتكارات التوزيع، بل سبب وجودها - أي إنشاء المحتوى. ومنذ أن أصبح ChatGPT متاحًا للجمهور في العام 2022، أصبحت صناعة الإعلام تتصارع مع التحديات التي يفرضها عالم جديد. الصحفيون والذكاء الاصطناعي إن دخول الذكاء الاصطناعي في صناعة الأخبار وإنتاج المحتوى يحمل جوانبَ إيجابية وسلبية على حد سواء. في العام 2023، كشف برنامج JournalismAI في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية عن نتائج استطلاع رأي أجري مع أكثر من 120 محررًا وصحفيًا وخبيرًا إعلاميًا من 105 مكاتب تحرير إخبارية في 46 دولة. وكشف الاستطلاع أن أكثر من 75 % من المشاركين استخدموا شكلًا من أشكال الذكاء الاصطناعي في عمليات جمع الأخبار وإنتاجها وتوزيعها. وأشار أكثر من نصفهم إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية كعوامل دافعة لتطبيقه، بينما أعرب نحو الثلث عن أملهم في أن يساعد الذكاء الاصطناعي في الوصول إلى جمهور أكبر وتعزيز تجارب القراء ومشاركتهم. ومع ذلك، أعرب أكثر من 60 % من المستطلعين عن تخوفهم من الآثار الأخلاقية المترتبة على دمج الذكاء الاصطناعي، ولاسيما في ما يتعلق بجودة المحتوى والدقة والنزاهة والشفافية. وعلى الرغم من الفوائد المحتملة، لا تزال هناك مخاوف بشأن ضرورة التدخل البشري للتخفيف من نقاط الضعف المتأصلة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل التحيز وعدم الدقة. المؤسسات الإعلامية في العام 2023، أعلنت صحيفة (بيلد)، وهي الصحيفة الأكثر انتشارًا في ألمانيا، وثاني أكثر الصحف مبيعًا في أوربا، أن ربع وظائفها الحالية سيحل محلها الذكاء الاصطناعي والعمليات الآلية. جاء هذا القرار بعد مدة وجيزة من قيام شركة BuzzFeed، (وهي شركة أميركية بارزة في مجال الإعلام والأخبار والترفيه على الإنترنت مع التركيز على وسائل الإعلام الرقمية)، باستخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مستهدف وإعلانات قائمة على تحسين محركات البحث. وبعد أشهر عدة، أغلقت الشركة خدمتها الإخبارية الشهيرة بالكامل، وهي التي فازت بجائزة بوليتزر في عام 2021 وكان لها تأثير كبير على الإنترنت منذ إطلاقها. في الوقت نفسه، تقريبًا، أبرمت وكالة أسوشيتد برس اتفاقية شاملة مع OpenAI، ما سمح باستخدام محتواها الإخباري من قبل ChatGPT. وتشارك وكالة أسوشيتد برس نفسها الآن بنشاط في تطوير نماذج للذكاء الاصطناعي لتحرير الأخبار وإنتاجها، إذ تقود ما لا يقل عن سبعة مشاريع إعلامية كبرى تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة التحريرية. تتزامن هذه التطورات مع تقليص حجم غرف الأخبار في وسائل الإعلام الكبرى، مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، إذ أدى الذكاء الاصطناعي إلى تسريع عملية تقليص حجم غرف الأخبار. تناقص أعداد العاملين من المحتمل جدًا أنه مثلما أدت التكنولوجيا الرقمية والإنترنت إلى تراجع العديد من الوظائف في صناعة الإعلام، فإن ظهور الذكاء الاصطناعي سيتبع المسار نفسه وسيؤدي إلى فقدان العديد من الوظائف المتبقية. على المدى القصير، لا تعني هذه التطورات بالضرورة القضاء التام على سلسلة إنتاج المحتوى في وسائل الإعلام، إذ لا يزال الذكاء الاصطناعي التوليدي يعتمد بشكل كبير على النماذج التي جرى إنشاؤها أو تحريرها من قبل البشر في إنتاج المحتوى. ونتيجة لذلك، سيحتفظ بعض الصحفيين وكتّاب الأعمدة والمحررين بأدوارهم. ومع ذلك، ستستمر فرق التحرير في التقلص، ما يؤدي إلى انخفاض تدريجي في الفرص المتاحة للصحفيين الناشئين أو متوسطي المستوى أو الأقل شهرة. إذا كان هذا يبدو مفرطًا في التشاؤم، فضع في اعتبارك حقيقة أنه في عام 1990، كان هناك ما يقرب من نصف مليون شخص (458,000) يعملون في الصحف الأميركية، بينما بحلول عام 2016، تضاءل هذا العدد إلى 183,000، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 60 %. وعلى العكس من ذلك، فقد زاد عبء العمل المتوقع من كل صحفي بشكل كبير، كما يتضح من الحجم الهائل للمحتوى والأخبار التي يمكن الوصول إليها يوميًا في العالم الرقمي.